سمير يوسفلا صوت في قوقعة الثلج سوى الزفير الساخن. لا صوت لبزات عسكرية منثورة على الرمل الأبيض منذ عشرة أيام وأكثر. دخل المقاوم في الرحم مرتين قسراً وخرج ولم نعرف من هو. حين وجدناهم كان يوماً صامتاً، لكن تمر الأصداء دائماً في لولب الأذن وتنخر في الرأس جحراً للآثمين والخونة. لولا بلية التنسك للجريمة، لولا فيتو الموت الصارم، لاستطعنا إنهاء الحرب.
مع مرور الأيام ظهرت طبقة بين ثيابنا وجلدنا. فقلنا إنّ البيت والأرض وجلسات الخمر ذابت وأضحت ذكريات كستنا نحن آلات القنص الواقفة على أنقاض الراحلين. لا همس، لا معرفة ولا فضاء في جبين المرء فينا، لا تقدير. في ركام المدينة الرمادية لم نر الإكليروس، لكن غزت أطياف اللحم مخيلاتنا الحقيقية، هجينة ومخضبة. لم يكن وجود الإكليروس ليغيّر شيئاً عدا تطهير العهر من الحق الذي فيه وليزيد من واقعية الدراما، فيمسك خاصرة المسرح بشكله المحافظ ويرمي حرم الأخلاق على من يفسد بغير فساد الدين نفسه. عندما نمنا في القبو دخل الضابط وسأل كيف ننام في الجانب البارد من الكوكب فيما ينعم أهل الجانب الآخر بالسجاد والنار. وأمر بإضرام حريق على الوجنات وهتف أنّه لا خيبة أمل في الأفق، إذ لم تنته السنة القديمة بعد وستتاح لنا الفرصة لنركب غلطة الزوال ونقفز كالدخان بعيداً عن هذه الأرض المقدسة التي استحقرتنا. سيكون لنا همس لأجساد لا لأطياف. أضاف: لم تنته السنة يا رفاق بعد، فدعونا نرندح في هذه الثلاجة الكبيرة.