هل باتت الدورة الدموية تحت مجهر كاميرات التصوير العالية الجودة؟ السؤال تحركه الأخبار الآتية من هولندا التي تشي بأن هذا الأمر سيكون ممكناً بفضل كاميرا TOPCam، التي صُمّمت لرصد الدورة الدموية بواسطة تقنية التصوير الدقيق، هذه الكاميرا العالية الذكاء بدأت تُبصر النور

روني عبد النور
تمثّل TOPCam، التي كُشف النقاب عنها في جامعة تفينتي في هولندا، تطوّراً ملموساً مقارنة مع منتجات الأجيال السابقة من كاميرات التصوير الطبية. ويتمحور هذا التطوّر حول السرعة الفائقة في التصوير، بحيث إن أبسط التغييرات في الدورة الدموية أو حتى أسرعها، كتلك التي تلي ليّ الأطراف أو عمليات الزرع، باتت ممكنة الرصد. الكاميرا تعتمد على تكنولوجيا التصوير CMOS أي تحويل الصور البصرية إلى إشارات كهربائية بواسطة الترانزستورات وشبه الموصّلات. وقد تمكّن الباحثون من الحصول على المستويات الإضافية من السرعة نتيجة الاستعانة بأشعة الليزر التي تضيء بشكل متزامن مع عملية التصوير على أجزاء البقعة الجلدية قيد الفحص. ففي الواقع، يتبعثر شعاع الليزر نتيجة تحرّك خلايا الدم الحمراء، مما يؤدي إلى تنقية الرؤية في عناصر الصورة (pixels) عبر ما يُعرف بـ«أثر دوبلر» الذي يحدد التغيير الظاهري الذي يطرأ على مقدار ترددات الموجات، صوتية كانت أم ضوئية، حين يرصدها مراقب ما متحرك بالنسبة إلى مصدر تلك الموجات.
عملية التصوير هذه تُستتبع بتحليل معدّل الإشارة إلى الضجيج. وبعد الانتهاء من التحليل يُصحّح الضجيج في كل عنصر صورة على حدة من أجل التخفيف من تأثير هذا الأخير على الصور، وذلك بواسطة صمامات إلكترونية مصدّرة للضوء. هذا ويمكن إنجاز التصوير من خلال نمطين مختلفين. الأول هو نمط التصوير المباشر الذي يسجّل المعلومات المتعلّقة بكل إطار ويُحللها في فوراً قبل القيام بعملية تصوير الإطار التالي. أما الثاني فهو نمط التصوير التسجيلي، حيث يؤجّل التحليل إلى أن تُلتقط جميع الأطر لتُحلل المعلومات دفعة واحدة بعد ذلك.
وفيما يسمح النمط الأول بإجراء القياسات لفترات زمنية غير محدودة، إلا أن وقت التسجيل في النمط الثاني يرتبط بالقدرة الاستيعابية لذاكرة الكاميرا. فالنمط المباشر يرصد 0.2 إطار في الثانية وينتج صوراً بحجم 128x128عنصر صورة. أما النمط التسجيلي، فيرصد 28 إطاراً في الثانية لمدة 3.9 ثوان، يمكن أن تصل إلى 15.47 ثانية على مستوى دقة 128×32 عنصراً.
على صعيد آخر، تعتمد الكاميرا على عدسة بطول بؤري يبلغ 12 ملم، وهي قادرة على تصوير مساحة 7×7 سم على بُعد 40 سم ومستوى دقة 128×128 عنصراً. ومن أجل تحسين نوعية الصور، يُستعان بمسحوق الفلفل الأحمر لتعقّب ضخ الدم في مساحات نسيجية أوسع، إذ يمكن حينها مراقبة الضخ ليس في المساحة التي ينتشر فوقها المسحوق وحسب، بل في تلك المحيطة به أيضاً.
أما بالنسبة إلى معدل الوقت الذي يفصل بين التقاط الصورة والأخرى، فهو لا يتعدى 0.746 ثانية، الأمر الذي يتناغم مع معدل ضربات القلب الطبيعية التي تحدث بتردد مقداره 80 ضربة في الدقيقة. كما يمكن، بين ضربتين للقلب متتاليتين، تحديد التغييرات التي تحدث بمعدل تغيير واحد كل 0.1 ثانية. ومعلوم أن هذه التغييرات مردّها وصول موجة ضغط الدم إلى إحدى الفروع الوعائية في الشرايين الكبيرة حيث تنعكس على نفسها لتتداخل مع موجة ضغط أخرى.



من ناحية أخرى، بدا الفرق واضحاً بين صور TOPCam وتلك المستقاة من مسبار دوبلر الذي يعمل على الليزر والأنسجة الضوئية. فعلى الرغم من قدرة المسبار على التقاط صور عن اللحظات الأولى التي تلي بدء جريان الدم في النسيج، وهو ما لم تستطع الكاميرا تحقيقه بسبب انشغالها في تحليل صور الأطر السابقة، إلا أن دقة الكاميرا في المراحل التالية تفوق المسبار بأشواط. بيد أن المشكلة حتى الآن تكمن في نقل المعلومات إلى الحاسوب بالسرعة الكافية، إذ تستغرق عملية النقل وقتاً يُعد طويلاً قياساً بسرعة أداء التصوير بسبب بطء نظام التواصل بين الجهازين. ويُطوّر هذا النظام لتسريع إضافي للأداء ولمعالجة نقص المعلومات في المرحلة الأولى من التصوير، أي بعيد بدء ضخ الدم في النسيج عن طريق الاستفادة القصوى من ذاكرة الكاميرا؛ كما أن أبحاثاً إضافية تجري لتحسين جودة الصور وخصائصها على غرار عمق القياسات، ومستوى تركّز الصورة والتفاعل مع أنواع الأنسجة المختلفة.
يُذكر أن تقرير الخبراء في معهد تكنولوجيا الطب الإحيائي في الجامعة الهولندية، الذي صدر في عدد شهر آذار الجاري من مجلة Optics Express، أشار إلى أن الكاميرا أصبحت جاهزة للتطبيقات السريرية. وثمة مروحة واسعة من التطبيقات يأتي في مقدّمتها تقييم الدورة الدموية ومراقبتها عند مرضى السكّري، ومعدّل ضربات القلب عند مرضى القلب، ومستويات الحروق، وحالة الأطفال الذين يواجهون مشاكل صحية بعيد الولادة.