محمد زبيبعبارة «دولة ضمن الدولة» يُقصد بها عادة مناطق نفوذ حزب الله، حيث السلاح غير الخاضع للمؤسسات العسكرية والأمنية النظامية، وتُصوَّر هذه المناطق كما لو أنها «أوكار»، الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود، حتى صار بعض اللبنانيين يعتقدون أن هناك إجراءات مسبّقة تنتهك حرية التنقّل، سيخضعون لها عند زيارة الضاحية الجنوبية أو الجنوب أو بعلبك أو الهرمل.
لقد نجح أصحاب هذه العبارة في الترويج لمفهوم ساذج وبدائي للدولة يقتصر على حضورها الأمني، وبالتالي نجحوا في إقناع جزء مهم من اللبنانيين بأن «الدولة المركزية» موجودة في الواقع، وهي تبسط سلطتها الأمنية على كل المناطق الأخرى، بل نجحوا أيضاً في إقناع الكثير من القاطنين في «المناطق الخارجة عن سلطة هذه الدولة» بأنهم وحدهم، دون سائر اللبنانيين، ينعمون بميزة العيش في «مشاعية ما قبل الدولة» على الرغم من أنهم يُجبرون، كغيرهم، على تسديد الضرائب والرسوم والتسجيل في دوائر الأحوال الشخصية والخضوع للقوانين والمراسيم والقرارات والأحكام التي يتم «التوافق» على إصدارها في المجلس النيابي ومجلس الوزراء والقضاء.
هذا ما يسمّى «النجاح الباهر»... نجاح تتحاصصه الطبقة السياسية بكل تلاوينها المذهبية وامتداداتها الخارجية (باعتبار أن لا لون آخر فيها). فالدولة غير متاحة الآن، كما لم تكن متاحة في السابق، وليس هناك برنامج واحد يسعى إلى بناء دولة ـــــ أي دولة، بل بالعكس تماماً، فكل المتخاصمين اليوم يحرصون على التغنّي بالنموذج القائم (يسمّى دولة مجازاً لعدم وجود اسم آخر له)، وهو نموذج مركّب بالأصل من تنظيمات دون مرتبة الدولة... أمّا الأزمات الدورية التي يعيشها لبنان كل عقد من الزمن، فهي التعبير عن تعديلات تطرأ بين الحين والآخر على موازين القوى (والسلطات) التي يقوم عليها هذا النموذج المركّب.