«بعدني عند بيت عمي»، يقول حبيب عبد المسيح. هو أولى ضحايا مسلسل انهيار المنازل القائمة على أراضي مطرانية الروم الأرثوذكس في طلعة البرباري في الجميزة. منذ اليوم الأول لمصيبته، انتقل إلى منزل أهل زوجته غادة في الدكوانة، ولا يزال مقيماً في ضيافتهم إلى اليوم في انتظار العثور على شقة.أبرز التغييرات في حياته، التي يعانيها يومياً، مشكلة المواصلات التي فرضت عليه الاستيقاظ باكراً للوصول إلى مكان عمله في الجميزة، حيث كان يقيم: «كنت أعبر الشارع فقط لأصل إلى عملي». زوجته أيضاً باتت تعاني مشكلة المواصلات: عليها إيصال طفلنا إلى الحضانة، إيصالي أنا إلى العمل، قبل أن تنطلق إلى عملها في بدارو. أي إنها تعبر صباح كلّ يوم أكثر المناطق ازدحاماً في بيروت وضاحيتَيها.
رغم أهمية هذه المشكلة في حياته، يبدو حبيب متأنّياً في حلّ مشكلة الإقامة. هو لا يرغب في الاستئجار بل يبحث عن شقة للبيع ينتقل إليها مرة واحدة ونهائياً. وبخلاف جيرانه، هو الوحيد الذي لم يوافق على تقاضي مبلغ السبعة آلاف دولار الذي دفعته المطرانية إلى السكان بدل تعويض كمستأجرين قدامى. يؤكد أن هذا المبلغ مجحف جداً بحقه، هو الذي كان يملك بيتاً كبيراً «أكبر بكثير من بيوت جيراني. مساحته 200 متر، كيف أوافق على تقاضي مبلغ لا تصل قيمته إلى ربع قيمة الأثاث الذي كان في المنزل».
لكن، ما البديل؟
دعوى قضائية رفعها، لكنه ليس واثقاً تماماً بأنه سيربحها. بالمنطق، ووفق حساباته القانونية والأوراق التي في حوزته، يُفترَض أن تُبتّ الدعوى لمصلحته «لكن ما أدراني أنا بفخاخ القانون؟ قالوا لي إن القانون لا ينصف أصحاب البيوت المنهارة» يقول متخوّفاً. من جهة ثانية، قيل له أيضاً إن القانون في صفّه لأن المطرانية كانت تعرف أن البيوت بحاجة إلى تأهيل ولم تعمد إلى تأهيلها، «ويمكن مقاضاتهم بتهمة التسبّب بالأذى". لكن بعيداً من هذه التفاصيل، لا ينكر حبيب أنه كان يفضّل عدم الوصول إلى القضاء وحلّ المشكلة بطريقة حبية: «لو كانوا عرضوا عليّ مبلغاً منطقياً». حبيب غير متضايق من جيرانه الذين وافقوا على تقاضي المبلغ: «لم أزعل من أحد. لكن مشكلتي مختلفة ولا يمكنني القبول بما قبلوا به».
لكن العائلات التي وافقت على تقاضي المبلغ، ليست راضية تماماً. لا تخفي ريما الحاج أنها كانت تتمنّى لو تحصل على مجرد وعد بإعادتها إلى الجميزة «ليتهم قالوا إنهم سيبنون على الأرض ووعدونا بإعطائنا شقة» تقول. وتعيد سبب قبولها بالتعويض «الذي لم نلمس قرشاً منه حتى اليوم» إلى الضغط وصعوبة الحصول على أكثر منه إذا رفعت الدعوى. توافق ماريانا على رأي والدتها، تقول باستسلام (أو بواقعية؟) يفترض أن لا تعرفه فتاة في سنّها: «حتى لو كان الحق معنا، كيف يمكننا أن نصمد في وجه أصحاب السلطة والواسطة؟». أما الياس، فهو حزين لأن والده وجدّته وافقا على التنازل عن الدعوى التي رفعاها ضد المتعهد، الذي كان يفترض به أن يدعّم ما بقي من منزل حبيب عبد المسيح، لكنه لم يفعل «حتى لو لم نربحها».
أما سمعان وماري، فلم يناقشا الأمر طويلاً. «قالوا لنا في المطرانية رصدنا هذا المبلغ للجميع وحصتكم منه 7 آلاف دولار فأخذنا الشيك. ماذا يسع من هم في عمرنا أن يفعلوا أكثر من ذلك؟».