يندر أن يتخلّى شخص عن لذّة تناول اللحوم والمشتقات الحيوانية. وإن فعل، قد يستهجن محيطه اختياره الغذائي. النباتيون قلة، لكنهم اتخذوا خياراً غذائياً مختلفاً عن الشائع، يلتزمون به، رغم اعترافهم بلذة اللحوم
محمد محسن
ليس سهلاً أن تجد شخصاً يحذف نهائياً، المشتقات الحيوانية من أولويّاته الغذائية. فاللحومات والبيض والألبان والأجبان والعسل، هي أطعمة تحتوي على مواد يعتبرها الكثيرون ضروريةً جداً في غذائهم اليومي. لكنّ للنباتيين رأياً مناقضاً تماماً، وخصوصاً أنهم يقصون اللحوم والمشتقات الحيوانية عن غذائهم، مستعيضين عنها بكل ما هو نباتي، ومستخرج من تراب الأرض.
ينقسم النباتيون إلى فئات مختلفة. فبينما يمتنع بعضهم عن تناول اللحوم الحمراء والدجاج مستعيضين عنها بالسمك، يمتنع آخرون عن تناول جميع أنواع اللحوم، الحمراء والبيضاء، ولا يلغون المشتقات الحيوانية كالألبان والأجبان والبيض من قائمة أغذيتهم. أمّا النوع الأقل انتشاراً، فهم أولئك الذين يهجرون، بالإضافة إلى اللحوم، كل أنواع المشتقات الحيوانية.
وتكمن وراء القرار الجريء الذي يتخذه بعض الأشخاص بأن يكونوا نباتيين أسباب متعددة. هكذا لجأت ليلى هاشم إلى خيارها النباتي بعد صراع نفسي، كانت نتيجته أنها «لا تريد للطاقة الموجودة في الأطعمة الحيوانية أن تتسرّب إلى جسمها». أمّا معدّل الكوليستيرول المرتفع في جسم هلال عسيلي، فقد كان هو الذي دفعه إلى اتخاذ قرار «صعب» في البداية، فتوقّف عن أكل كل ما يمت إلى الحيوان من لحم وغير لحم، واقتصر غذاؤه على الخضار والفاكهة والحبوب. كما يلعب شكل الحيوان حيّاً أو مذبوحاً والرفق به، دوراً أساسياً في لجوء البعض إلى النباتات فقط، كما حصل مع آية الخطيب.
يبدو السؤال عن راحة جسدية ونفسية تنتج من الغذاء النباتي أمراً بديهياً، وخصوصاً أن النباتيّين الذين تحدّثوا لـ«الأخبار» أكدوا شعورهم بالراحة نتيجة غذائهم النباتي. لكن هذه الراحة تتفاوت من نباتي إلى آخر، ففيما ترى ليلى أنها ما زالت «ليلى العادية التي تطمح إلى أن تكون ملاكاً»، يؤكد هلال أنّ الغذاء النباتي ساعده في عمليّات «التأمّل التي أقوم بها، وأشهر مظاهرها رياضة اليوغا». أمّا آية فقد اعتادت على هذا النظام منذ صغرها، وهي غير مستعدّة لتغييره.
يعيش النباتيون حياتهم طبيعياً جداً كما غيرهم، ويتضح بعد الحديث معهم، أن الصورة النمطية التي يسمعها المرء من البعض، عن أشخاص «مختلفين كثيراً عن غيرهم لأنهم نباتيّون» هي صورة خاطئة. فالنباتيّون الذين تحدّثنا إليهم، وهم عيّنة تمثّل هذه الشريحة، أكدوا لنا أنّهم يعيشون حياتهم طبيعياً جداً، لا يعيقه تفاجؤ الناس عند علمهم «بأننا نباتيّون».
أما على المستوى الاقتصادي، فلا يتكبّد النباتيون مصاريف زائدة عن الآخرين، بل على العكس، إذ يمكن القول إنّ مصاريف اللحوم تتجاوز مصاريف الخضار والفواكه. تبتاع ليلى حاجياتها النباتية من السوبر ماركت روتينياً، وتسعى دائماً إلى شراء الخضار والفاكهة العضوية فور توافرها. أمّا آية، فهي تفصل طعامها عن طعام العائلة منذ أن أصبحت نباتيّة الغذاء، إذ تشرح « ماما بتطبخلي شي عجنب بدون لحمة». أما بالنسبة لهلال فالمصروف هو أعلى بقليل، لكنه ارتفاع لا يتذمر منه، إذ يؤكد أنه «ليس أشدّ من أذى اللحم على جسمي ونفسيتي».
يؤكد الشاب العشريني أن سكنه في إحدى المناطق الجبليّة من لبنان، سهّل عليه الحصول على النباتات العضويّة، والخالية من الترسبات المضرّة بأسعار أفضل. اعتاد هلال على نظامه النباتي منذ سنوات، لكنّه لا يعرض نفسه على طبيب مختص، بعكس ليلى التي تتولى أمر دورتها الغذائية طبيبة مختصّة تحدّد لها تنوّع الوجبات، أمّا آية فقد استفادت من اختصاصها في التمريض وهي تشرف على نظامها الغذائي النباتي شخصياً.
علمياً، تؤكد الدكتورة فرح نجا أنه بمقدور الإنسان العيش نباتياً طوال حياته، لكن هذا الإمكان يجب أن يخضع لإشراف طبيب مختص، يتابع البرنامج الغذائي للإنسان النباتي، وخصوصاً بسبب ضرورة تنويع الوجبات النباتية من خضار وفاكهة، إضافةً إلى الاستعانة الدائمة بالمكمّلات الغذائية، من أجل ملء فراغ البروتينات الناجم عن الامتناع عن تناول اللحوم. وفي المقابل، يعرّض من يتخذ القرار باعتماد الغذاء النباتي فقط، من دون العودة إلى الطبيب والخضوع للفحوصات الدورية، نفسه لمجموعة أمراض كترقق العظام، والأنيميا ونقص الفيتامينات.
لا تنصح نجا بأن يكون الإنسان نباتياً كلياً، وتؤكد ضرورة تناول اللحوم وإن باعتدال، لا يتجاوز المرتّين كمعدل أسبوعي. في الوقت نفسه، تشدّد على أنّ نسبة المصادر النباتية في الغذاء، يجب أن تفوق نسبة المصادر الحيوانية عموماً.