رنا حايك
يبدو أن السحر قد انقلب على الساحر في الولايات المتحدة، حيث يكثر نشر الدراسات حالياً عن تدهور نوعية منتوج البلاد من الخضار، من حيث القيمة الغذائية. فخبراء التغذية الأميركيون يبدون قلقهم الشديد هذه الأيام حين يقارنون نوعية الخضار المطروحة اليوم في السوق، بتلك التي كان يتغذى منها آباؤهم.
ولا يقتصر التراجع المرصود على طعم الخضروات فحسب، بل يتخطى ذلك إلى تراجع مكوناتها الغذائية، بحسب الباحث في معهد الكيمياء الحيوية التابع لجامعة تكساس، دونالد دايفيس، الذي أظهرت أبحاثه أن المعادن التي تحتوي عليها الخضار اليوم (لا سيما المانييزيوم والحديد والكالسيوم والزينك) قد تقلّصت بنسبة 5% إلى 40% عن تلك التي كانت تحتويها منذ حوالى خمسين عاماً.
وتأتي استنتاجات دايفيس رغم اعترافه بالصعوبات العلمية التي تعترض إجراء المقارنة بين الأمس واليوم. فالمعلومات التاريخية قد تكون مضللة أحياناً، أو على الأقل، غير دقيقة.
فبالنسبة لكمية الحديد الموجودة في الغذاء مثلاً، أدت بدائية تقنيات التحليل إلى رصد كميات عالية من الحديد بشكل مبالغ به في خضار كالسبانخ مثلاً (ما أدى إلى رواج سمعتها كنوع من الخضار يحتوي على كميات هائلة من المعادن والحديد، وإلى ابتداع شخصية كرتونية تؤكد هذه الرواية: بوباي).
كذلك، يلفت الباحث في دراسته التي نشرتها «مجلة علم البستنة» الأميركية، إلى أن الزيادة في حجم الخضروات الموجودة في أسواق اليوم لا تعني بالضرورة احتواء هذه الأصناف المضخمة على قيمة غذائية عالية. بل على العكس من ذلك، كلما كبر حجم الخضار، كلما ازدادت عوامل التجفيف التي تحتوي عليها، وبالتالي، تقلّصت كمية المعادن فيها. في هذا الإطار، كلما كان حجم الخضار أو حتى الفاكهة أصغر كلما كان ذلك إشارة إلى احتوائها المزيد من حيث القيمة الغذائية.
من ناحية أخرى، أدى اعتماد تهجين البذور بهدف رفع الإنتاجية، إلى تقليص كميات البروتين والحوامض الأمينية في المحصول، وإلى ارتفاع نسبة الكاربوهيدرات في المقابل، إذ إن الباحث ينتقي من خلال التهجين الأصناف الأكثر إنتاجية، وذلك على حساب محتواها الغذائي.
كما أدى الإكثار من استخدام المخصبات والمبيدات الكيميائية إلى تسريع العملية الزراعية. إلا أن الحصاد السريع يعني أن المنتج يحظى بوقت أقل بكثير مما يحتاج إليه لامتصاص المكونات الغذائية المتراكمة والمتحللة في التربة، وخصوصاً أن مادة البوتاسيوم التي تحتوي عليها المخصبات تعيق قدرة المزروعات على امتصاص المكونات الغذائية، بينما تؤدي الزراعات الأحادية التي يفرضها سوق الصناعات الغذائية، إلى استنزاف التربة من المعادن.