عمر نشّابةإنّ قتل وجرح آلاف الفلسطينيين بمن فيهم نساء وأطفال يقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، بحسب نظام روما الأساسي. فالمحكمة أُنشئت لتحاسب الأشخاص الذين ارتكبوا الجرائم الأكثر خطورة على المجتمع الدولي بالإجمال، ولا سيما جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب. لكنّ المحكمة الجنائية الدولية لا تتحرّك تلقائياً، بل بحسب شكاوى قضائية. وفي مطلع هذا العام، تقدّم «التحالف الدولي لمكافحة الإفلات من العقاب» بشكوى قضائية أمام المدّعي العام في المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو ضدّ مئة شخص، معظمهم من التابعية الإسرائيلية، ومن بينهم رؤساء ووزراء وجنرالات، لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وقتل وتعذيب ومعاملة لاإنسانية، بما في ذلك إجراء تجارب بيولوجية وإلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك في قطاع غزّة، خلال الفترة الممتدّة من 27 كانون الأول 2008 إلى 18 كانون الثاني 2009. وقام قسم المعلومات والأدلّة في مكتب أوكامبو بدراسة المعلومات التي تقدّمت بها المنظمة وفقاً لنظام روما الأساسي. لكنّ المدّعي العام لم يتّخذ حتى اليوم قراراً بقبول الشكوى أو ردّها.
القاضي الأرجنتيني أوكامبو، الذي أصدر أخيراً مذكّرة توقيف بحقّ رئيس دولة عربية متهماً إياه بارتكاب جرائم في حق الآلاف، أمام خيارين: إما أن ينضمّ إلى القوى الدولية التي تعتمد ازدواجية المعايير الحقوقية والقانونية حيال الإسرائيليين بحيث لا يُتجرّأ على محاسبتهم على جرائم ارتكبوها في فلسطين ولبنان والعراق والسودان، بينما تبرز حماسة هذه القوى في إدانة رئيس دولة عربية متّهم بارتكاب جرائم وتُنسف قرينة البراءة بحقّه في المحافل الدولية، وإما أن يؤكد أوكامبو صدقيته كمدّع عام لمحكمة تسعى فعلاً لتحقيق العدالة بعيداً عن التسييس والكيدية والانتقائية.
لدى أوكامبو مهلة تنتهي في حزيران 2009 لاتخاذ قراره بشأن قبول الشكوى. فهل يقاوم ضغوط المتعاطفين مع إسرائيل في «ممارسة حقّ الدفاع عن النفس» أم يرضخ لهم؟
لنراهن على أوكامبو، وإذا خسرنا الرهان، فستكون رمزية خسارتنا دافعاً إضافياً لاستمرار الخيار المسلّح في وجه قوى الاحتلال ومن يقف وراءها.