العرقوب ــ عساف أبورحالأكثر من ثلاثين عاماً مرّت على استقبال جنوب لبنان لجنود قوات الطوارئ الدولية. لم تنجح هذه القوات في إيجاد حلّ لمشكلة احتلال إسرائيل للأراضي اللبنانية، لكنها أثمرت 40 زيجة بين جنود «اليونيفيل» وفتيات لبنانيات، كانت آخرها قبل عامين، تزوجت فتاة من بلدة بلاط ضابطاً في كتيبة هندية.
وتتوزّع الفتيات المتزوجات عناصر في «اليونيفيل» بين 30 فتاة من بلدة إبل السقي، 6 من راشيا الفخار، وأخريات من بلدات الهبارية وكفرحمام وكفرشوبا وشبعا. لكن عدداً كبيراً من هذه الزيجات واجه مشاكل كثيرة، وتسبّب بحالات طلاق كما يقول عدد من أهالي تلك القرى.
أما التجارب الناجحة، فلا يمكن معرفة الكثير عنها إلّا من اللواتي حافظن على علاقتهن بلبنان، ومنهن لينا كوزال تاندر المتزوجة الكابتن النرويجي تومي تاندر منذ عام 1998. أول ما تبدأ به لينا حديثها، هو الإشارة إلى اختلاف المجتمع النرويجي عن المجتمعات الشرقية «وخصوصاً الروابط الاجتماعية التي تكاد تكون معدومة. هذا الأمر لم تعتده فتيات الشرق». بعدها تنتقل إلى الحديث عن الصعوبات التي واجهتها عندما انتقلت إلى النرويج: «اللغة كانت عائقاً رئيسياً أمام اللواتي تزوجن وهاجرن إلى هناك». لكنها صعوبات مقبولة في مقابل ما تسميه زواجاً ناجحاً، وخصوصاً أن زوجها يقدّر الفتاة الشرقية كما تقول، ويرى فيها الزوجة المثالية المخلصة، إضافةً إلى قدرتها على تحمّل الأعباء، وخصوصاً لجهة تربية الأطفال.
بدورها، نهى عازار، المتزوجة بشاب نرويجي منذ 22 عاماً ولها منه ابنتان، ريتا (19 عاماً) وسولفاي (17 عاماً)، تتطرّق إلى صعوبات العيش في بلد أوروبي، فتقول إن بعض اللواتي تزوجن وهاجرن، اعتقدن بدايةً أن المجتمع الغربي مشابه للمجتمع الشرقي «وهنا يكمن الخطأ نسبةً إلى الفوارق الكثيرة في الحريات والعلاقات مع الآخرين. غالبية الزيجات لم توفّق وسلكت طريق الطلاق أو الانفصال». لكن معظمّهن لم يعدن إلى لبنان لأن «الزوجة يحق لها مقاسمة زوجها بعد الطلاق، والنساء المطلّقات ترعاهن الدولة وتقدّم إليهن المساعدات والسكن إلى جانب راتب شهري لرعاية الأطفال وتربيتهم، هذه التقديمات تحول دون عودتهن إلى لبنان».
لكن سلمى سلامة، الموظفة لدى اليونيفيل، تلفت إلى تراجع هذه الزيجات لأسباب عديدة. تقول: «الحلم حين يتحقّق يصبح حقيقة، وهذه الحقيقة أظهرت واقعاً مرّاً بسبب الفشل السريع لهذه الزيجات». تشرح: «كانت الفتاة اللبنانية تحلم بتغيير طرق عيشها وتحسينها والانتقال الى الأفضل، لكنها فوجئت بأن العيش في الغرب يحتاج إلى عمل دؤوب ومتواصل، وسط فوارق في التربية بين المجتمعين الشرقي والغربي، الأمر الذي ولّد صداماً بين حضارتين، على عكس الزيجات بعناصر الكتيبة الهندية التي تعدّ موفقة لتقارب العادات وطرق العيش».
هذا ما يوافق عليه والد فتاة تزوجت عنصراً في الكتيبة الهندية. يصف زواج ابنته بالناجح، لكنه يعلّله بقدرة الأخيرة على التكيّف مع العادات الهندية. في رأيه مسألة الزواج بعناصر اليونيفيل طبيعية، وخصوصاً في حال وجود قوى عسكرية أجنبية، كما أنها تدخل في إطار الانفتاح على القيم والعادات والتقاليد، والمجتمعات الإنسانية مكملة بعضها لبعض.


لمحة تاريخية

بعد الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1978 أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً يقضي بإرسال قوات دولية لحفظ السلام في جنوب لبنان. في ربيع العام نفسه، وصلت طلائع هذه القوات، وتوزّعت على مناطق جنوبية مختلفة. في العرقوب كانت الكتيبة النرويجية القوة الرئيسية التي أوكلت إليها مهمّات حفظ الأمن، وقد أقامت في بلدة إبل السقي مقرّاً لقيادتها، وشغلت نحو 45 منزلاً فيها. وقد سهّل هذا الأمر نشوء علاقات اجتماعية أدت إلى الزواج. لكن انتشار هذه القوى ساعد أيضاً على إنماء القرى، وتنشيط الدورة الاقتصادية فيها، وخصوصاً من خلال توظيف عدد من أبنائها في صفوفهم.