يواجه بعض الأطفال صعوبة في النطق، إذ يكررون الكلمة أو أحرفاً منها مرات عدة أثناء حديثهم. ويضغط العديد من الأهل على أولادهم لتصحيح نطقهم دون الانتباه إلى أن الصعوبة في اللفظ والتكلّم حالة مَرضية، يجدر معالجتها من مختصين. تسمى تلك الحالة «التأتأة»، وتُعالج من خلال استشارة طبيب نفسي وطبيب تقويم نطق. ولكن متى تظهر التأتأة وما هي أسبابها وطرق علاجها؟

دعاء السبلاني
«بدأ جاد بالتأتأة عندما بلغ 3 أعوام، كان يكرر أحرفاً من الكلمة التي يلفظها، مثلاً في كلمة ماما، يكرر حرف الميم الأول مرات عدة ليلفظها الكلمة بعد ذلك. كنت أحاول دائماً أن أعلّمه كيفية النطق بشكل صحيح وأوجّه له الملاحظات، لكن ذلك فاقم الوضع سوءاً». هكذا تشرح لينا (والدة جاد) حالة ابنها وتضيف «جاد انطوائي ويخجل كثيراً من مقابلة الناس أو أصدقائه في المدرسة والتحدث معهم. وبعدما لاحظت عدم تحسنه عرضته على طبيب تقويم نطق ومعالج نفسي لمساعدته على تخطي انطوائيته ومشاكل التأتأة».
تعدد المعالجة النفسية كلوديا نعمة طرق التأتأة بالقول «بعض الأطفال يتأتئون قبل البدء بالكلام، آخرون يحتاجون إلى وقت طويل ليكملوا الكلمة، أو يقطّعون الكلمة ويتوقفون عند حرف منها ويكررونه. هذا النوع من التأتأة يظهر في عمر يتراوح بين 3 و5 أعوام، أي عندما يبدأ الطفل بالذهاب إلى المدرسة ويصير قادراً على التواصل مع الآخرين. بعض الأطفال يتحاشون تكرار كلمات صعبة ويحاولون انتقاء كلمة بديلة، مثلاً إذا كان اسم الطفل طويلاً يفضل لفظ اسم الدلع»، وتتابع نعمة «تترافق التأتأة أحياناً مع احمرار الوجه وشد عضلاته وعضلات الرقبة وصوت كأنه اختناق خلال لفظ الكلمات، بالإضافة إلى الخجل والإحباط وهذا ما يزيد التأتأة».
تحذر نعمة الأهل من عدم الضغط على طفلهم المتأتئ أو توجيه الملاحظات والانتقادات له في محاولة لتصحيح نطقه، كأن يطلبوا منهم الانتباه إلى طريقة كلامه أو تكرار ما قاله، لأن ذلك يزيد وضعه سوءاً.
تختلف طريق التأتأة وأسبابها من طفل لآخر، كما تظهر في أعمار وظروف متنوعة، قد يتخطاها المرء، ثم يعاود التأتأة بعد سنوات. تقول هناء ح. والدة مريم (15 عاماً) «كان زوجي يعاني التأتأة في صغره، وكانت ابنتي تعاني المشكلة ذاتها في عمر 4 أعوام، وتتأتئ قبل أن تبدأ بالكلام. عرضتها على طبيب تقويم نطق الذي ردّ السبب إلى عامل الوراثة. وبعد العلاج بدأت مريم تتحسن تدريجياً إلى أن شُفيَت». أهل مريم اعتقدوا أنها تخطت مشكلتها، لكن فاجأتهم التأتأة التي عاودت الظهور عند مريم في عمر 15 عاماً.
تشير نعمة إلى أن من عانى التأتأة لفترة، قد يستعيد عادته هذه بسبب ظروف عديدة كتعرضه لصدمة أو بسبب أزمة لم يتخطّها. وقد يتعرض المريض لحدث يذكره بأزمة مر بها، أو أن يخضع من جديد لمعاملة قاسية من والديه.
أسباب التأتأة، حسبما تقول نعمة، متنوعة «30 % من الحالات سببها وراثي، و50% من الأطفال الذين يتأتئون يتأخرون بالنطق، ومن الممكن أن يكون تأخر النطق سبباً للتأتأة. وتُعدّ العلاقة الأسرية سبباً أساسياً لذلك، فإذا كان هناك اضطراب بين الطفل والأم على الصعيد العلائقي كالقلق والذعر عند الوالدة، أو الازدواجية في التعاطي، أي أن تحب الأم طفلها وتتملكه ولا تهتم به في الوقت عينه. تضيف المعالجة النفسية أسباباً أخرى للتأتأة وهي «انطوائية الطفل أو خضوعه لأهله بحيث يسيطرون عليه فينفذ كل ما يقولونه ولا يستطيع أن يعبر عن رأيه. وفي حالات أخرى قد يكون لدى الطفل عدوانية باطنية يعبر عنها بالتأتأة بدلاً من الضرب أو الصراخ أو التكسير مثلاً، وهنا يمكن أن تترافق التأتأة مع اضطرابات سلوكية». «تتنوع سبل العلاج بحسب المرحلة التي وصلت إليها التأتأة ووفقاً للمحيط الذي يعيش فيه الطفل، حيث يلعب الأهل دوراً في التخلص من المشكلة أو زيادتها». وتتابع نعمة «قد تنتهي المشكلة من دون الحاجة إلى علاج، ومن الممكن أن تستمر الحالة شهوراً فتحتاج إلى علاج. وكلما عالجنا المريض في وقت مبكر كلما تخلص من المشكلة بسرعة، وقبل أن تمتد التأتأة إلى المراهقة».
سماح لاحظت أن ابنتها ربى (6 أعوام) تعاني عدم القدرة على التركيز مع من يتحدث إليها «ويتشتت انتباهها مرات عدة أثناء الحديث ولا تنظر إلى المتحدث معها وتواجه صعوبة في التعبير عن الفكرة التي تريد إيصالها وتتأتئ في جملها. «بدأت بالتأتأة في عمر 3 أعوام ولكنني ظننت أن ذلك مؤقت، بعد عامين عرضتها على متخصص في تقويم النطق وطالت فترة العلاج لمدة سنة تقريباً».
تعرّف اختصاصية تقويم النطق رينا رمان التأتأة بأنها صعوبة في التواصل الشفهي، حيث يكون الطفل قادراً على تأليف جمل لكنه يتوقف عند كلمات أو أحرف معينة، ويبدأ ذلك قبل بلوغ 5 أعوام، عندما يبدأ الطفل بتطوير النطق ولا يملك مخزون كلمات كافياً للتواصل مع غيره، وقد تكون مرتبطة بتأخر النطق أو عدم القدرة على التركيز. وتشدد رمان «ليس مهماً أن نحدد أسباب التأتأة بقدر أهمية العلاج، حيث نعالج كل حالة حسب أسبابها، سواء كانت سوء العلاقة مع الأهل أو مشكلة نفسية أو دراسية وربما وراثية».


العلاج ومراحله

داخل العيادة تقول نعمة «يكون الطفل وحده، ونعلمه كيفية الاسترخاء ليشعر بأننا نحبه ونتقبله ونكسبه الثقة التي فقدها، ولا نطلب منه التحدث عن مشكلته بل نعالج أسبابها كالخوف والقلق، ثم نتعامل مع الأهل مباشرة، ونعلمهم كيف يعالجون طفلهم في المنزل، فلا يقاطعونه ولا يكملون الكلمات التي يتوقف عندها ولا يطلبون منه توضيحات ولا يوجهون له الانتقادات». رمان تشدد على أن العلاج «ينطلق من دور الأهل، نقدم لهم إرشادات وتمارين خاصة مثل ألعاب معينة تفيد الطفل في التواصل، ونعلم الأطفال كيفية النظر إلينا والتركيز أثناء الحديث، وأحياناً نعمل على توسيع مخزون الكلمات لديهم. وفي أحيان أخرى نركز على تبادل الأدوار». لا تقل مدة العلاج عن ستة أشهر وتمتد حسب المشاكل التي يعانيها الطفل وحسب عمره