حسين أحمد طالب*سمعت الكثير، ورأيت بأم العين، ما جرى وما يجري وما هو متوقع وما يمكن فعله لمواجهة التحديات وخاصة ما ينتظره الناس من انتخابات نيابية مهمة جداً، بنتيجتها يتحدد المسار والمصير، وسوف نرى! السوق حامية، والتجار كثر، والسلع البشرية تحدد أسعارها عقول مظلمة، وأعين عمياء، وآذان صماء، وقلوب مغلقة، وكرامات رخيصة، وصناديق الاقتراع تتسع للظلم والحرمان والإخلال بالوعود، كذلك تتسع لإذلال الإنسان وإهانته وتخلفه والتلاعب بمستقبله ومصيره.
كيف نتصرف وكيف نواجه؟ إذا نظرنا إلى مصلحة بلدنا العليا وما يحتاج إليه من خدمات ومشاريع تهم كل الناس، وخاصة في دنبو: مشروع الصرف الصحي الذي بدأنا العمل به وتوقف لعدم وجود المال، والطرقات المتعددة التي قمنا بشقها ولم تنجز بعد، ومشروع مياه الشفة الذي ننتظره منذ زمن بعيد، فضلاً عن المستوصف والمهنية وغيرها من مشاريع الإنماء الداخلي والبنية التحتية، وهذا كله يتطلب منا جميعاً وحدة الصف وخلق الثقة المتبادلة بين أبناء البلد الواحد. ويجب علينا التشاور والتعقل لأخذ الموقف المناسب بعيداً عن المصلحة الشخصية التي لا تفيدنا بشيء.
أيها الأحبة، إذا كان البناء يبدأ بالحجر الأساس، والعلم يبدأ بالحرف والكلمة، وإذا كان الإنماء يحتاج إلى التصميم والإرادة، وإذا كانت المطالب تحتاج إلى الجرأة والمتابعة، فإن الانتخابات تحتاج إلى شهادة حق وإنصاف ووعي وتفكير وتأمل، وإلى توافق ووحدة ومراعاة المصلحة العامة. فأصواتنا ليست رخيصة كما يظن أكثر المرشحين، وبلدتنا ليست سلعة للمتاجرة، وكرامتنا فوق كل اعتبار، ومستقبلنا لا مساومة عليه، وحقوقنا لا نسمح بها لأحد. فإمّا أن يرفع عنا هذا الحرمان المزمن من طريق الواقع الملموس، وإما أن يكون لنا موقف تهتز له ساحة النجمة والسرايا الحكومية وقصر بعبدا.
يتحدث البعض عن مشروع الدولة في ظل الدويلات والجزر الأمنية، والبعض يتحدث عن الإنماء المتوازن في ظلال الانحياز الطائفي والفرز المناطقي والمحاصصة والاهتمام بمنطقة على حساب غيرها، والبعض يتحدث عن الولاء للوطن تحت راية المسؤولين الذين لا همَّ لهم سوى مصالح الغير على حساب المواطنين، وتأسيس مناطق نفوذ خاصة بهذا المسؤول أو ذاك، يتفقون كلما تلاقت مصالحهم الخاصة، ويختلفون أيضاً باختلافهم وآخر همهم المواطن البريء الذي لا حول له ولا قوة، والذي ممنوع عليه أن يطالب، ومحرّم عليه أن يتعلم ويشبع، ومحظور عليه الرأي الحر والموقف الثابت. من هنا يمكن القول إن حقوق الإنسان على هذه الأرض مهدورة، ووجوده منعدم وكرامته مهانة. أما السبب في كل هذا فيكمن في أن ولاء السياسيين كلهم لغير وطنهم لبنان.
أيها السادة، مَن جدّ وجد ومَن زرع حصد. لقد زرعنا في صناديق الاقتراع ألغاماً تتفجر الآن في وجوه الغافلين، وأخطاء كبيرة كانت وراء الضياع والظلم والحرمان واللامبالاة التي نلمسها كل يوم حتى وجدنا أنفسنا شعباً بغير قادة، ورأينا قادة بغير رحمة ولا شفقة ولا برامج، كلهم يعمل لمصلحته الخاصة ولسياسته الخاصة ولحزبه الخاص، والفقراء لا مكان لهم تحت الشمس، ولا دور لهم في المجتمع، ولا مستقبل لهم، ولا صوت لهم بشهادة الباطل، ولا دنيا لهم لأنهم ضعفاء، ولا آخرة لهم في ولائهم لغير الله. أولئك كالأنعام، بل هم أضلّ!
هذا هو الواقع، وهذا هو منطق الحق والبيان، وهذه هي لغة مَن باع ويبيع نفسه وأهله وأولاده لمصاصي الدماء، لأن المواطن الصالح لا يتحرر ولا يستقل إلا بحسن الاختيار، ولا يشهد الحق كما يجب إلا بتطهير الأرض والمجتمع من السماسرة، وتطهير النفوس من الجبن والخوف والطمع ومن التبعية والتزلّم والاستكانة وتطهير القلوب من الحقد الأعمى والتجسس والعمالة والخيانة. وينبغي لنا جميعاً أن نستعد للمرحلة المقبلة، وأن نمتلك الجرأة على المحاسبة ليدفع المقصّرون ثمن تقصيرهم والظالمون ثمن ظلمهم والمواطنون ثمن أخطائهم، ليبقى الشعب هو الأساس في بناء الأوطان.
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القَدَرْ
وأخيراً لشعب عكار وأهالي دنبو أتمنى أن يكون المستقبل الزاهر لكم ولأولادكم وأن يكون ولاؤكم لله والوطن.
* رئيس بلدية دنبو ــ عكار