فيصل فرحاتكان احتفالاً رائعاً، واتسمت روعته ببساطته وعفويته وصدقه. ذهبت إلى «بيت المحامي» قبل موعد الاحتفال في الذكرى العشرين لغياب المحامي والأديب عبد الله لحود، بأكثر من نصف ساعة عن الموعد، وذلك عصر الخميس في 12 من الشهر الجاري، رغبة مني بأي مساعدة تقتضيها الحاجة، بعدما كنت قد وزعت 63 بطاقة دعوة إلى بعض النواب والوزراء والمحامين والكتّاب والصحافيين في الأسبوعين الماضيين. وإذ بي أتفاجأ بحضور أكثر من مئة شخص قبلي!
ففرحت كثيراً وحاولت جاهداً، منتظراً كي أُعلم الأستاذ يوسف عبد الله لحود (ابن المُحتفى به) الذي كان منهمكاً بهدوء في السلام والكلام مع القادمين قبل الموعد، بأني هنا، وسائلاً عن الكتاب، فطلب مني أن أسأل سائقه جورج والأستاذ هيكل درغام، فسألت وكان الجواب بأن توزيع الكتاب (عن عبد الله لحود) سيكون بعد انتهاء الاحتفال وذلك كي لا «يلتهي» الحاضرون في قراءة الكتاب أثناء إلقاء الكلمات. حينها «طمّنت بالي» ونزلت إلى مدخل المبنى كي أدخن سيجارة بالقرب من باب الكافتيريا، وإذ بالحشود تتدفق، ومنهم الأستاذ الجليل منح الصلح وهو يخطو ببطء ملحوظ على عصاه وبجانبه خادمته، فيما كان الأستاذ الشيخ غسان الخازن يضحك بفرح وسرور، وكذلك كان الكثير من كبار السن نساءً ورجالاً وهم ينتظرون أمام المصاعد الثلاثة كي يصعدوا إلى الطابق الخامس حيث قاعة الاحتفال، فاندهشت بما رأيت، وخاصة حين بدأ البعض يصعد على الدرج، ومنهم رجل في السبعين من عمره وقف في الطابق الثالث كي «يأخذ نفس» وزوجته قربه! حينها وللحق أقول شعرت بلحظات سعيدة.
بعد انتهاء الكلمة الأولى لدولة الرئيس نبيه بري (الذي تدّرج كمحام على يد المُحتفى به)، وهي كانت كلمة «نبيهة»، خرجت من القاعة كي أضع عشرات النسخ من الكتاب على طاولة صغيرة، حين رأيت بعض الحاضرين يخرجون (منهم ليدخنوا سيجارة) فبدأت مع جورج بتوزيع نسخ من الكتاب وأنا مندهش بعدما مُدّت الأيادي لأخذ الكتاب من يدي! ومع خروج الجميع بعد انتهاء الاحتفال، وفي مقدمهم اللبنانية الأولى السيدة وفاء سليمان، كنت قد وزعت مع جورج والأستاذ هيكل حوالى سبعمئة نسخة من الكتاب، حيث مُدت الأيادي والوجوه باسمة و«أخذوا الكتاب مثلما يأخذ الفقراء الرغيف»!
وعلى سبيل المثال، قالي لي «عراب الطائف» والمؤتمن على تسجيلاته، الرئيس حسين الحسيني كلمة أود ذكرها (بعدما مدّ يده بلحظة مدّ يدي لأعطيه نسخة من الكتاب): «إذا بتريد وشكراً إلك»، وكذلك قال وزير العدل الأستاذ إبراهيم نجار (بعدما أخذ مرافقوه الكتاب) وهو يقف على عكازتيه!
هذا هو لبنان الديموقراطي الذي أُحب، وأتمنى أن يبقى ويدوم على مدى الدهور.