ضحى شمسربما يجب الاعتراف بأن ثقافة «الشخصي» في الحيّز العام اللبناني سطحية، إلّا لدى قلة قليلة. هذا ما يخرج به المتابع لردود الفعل على قضية جواز نشر لوائح الشطب الانتخابية، بما تتضمّنه من معلومات شخصية عن كل مواطن بلغ سن الاقتراع، على الإنترنت. فردود الفعل على ما عدّه البعض، ونحن منهم، فضيحة، ربما كانت الأجدر بوصف الفضيحة. هكذا، استمعنا إلى أشخاص يحاججون ببراءة: لكن ماذا في الأمر إذا نشرت الداخلية تلك المعلومات من باب الشفافية ومنع التلاعب باللوائح؟ بل إن الوزير بارود، صاحب المبادرة، يعترف لـ«لأخبار» (انظر تحقيق الداخلية على نهج فايسبوك) بأنه وافق على النشر «بعد تفكير».
أي إن رد فعله الأوّليّ كان التريث، بسبب ما نفترضه ثقافة حقوق مدنية عند الوزير، لكنه انتهى إلى الموافقة لأن «موجب النشر» هو تصحيح أخطاء لوائح الشطب، وخصوصاً أن القانون الانتخابي الصادر عام 2008 ينص على نشر القوائم الانتخابية الأوّلية على موقع الوزارة الإلكتروني. وفي النهاية، في رأيه، فإن المعلومات المنشورة لا تنتهك خصوصية الناس لأن «العمر ليس سراً»، أما الطائفة، فقد أصبح بإمكان المرء أن يطلب شطبها، فتستحيل معرفتها! إن هذا الكلام هو نوع من الهرطقة. فالمواطن ائتمن الدولة على بياناته الشخصية، وهو حين حصر بها حق التصرّف بتلك المعلومات ضمن حدود القانون والدستور، فلأنها الجهة المخوّلة تصريف أمور المواطن، بأمانة وسرية. وإن كانت هناك أخطاء في لوائح الشطب، فمن يجب أن يصحّحها هو الدولة عبر ممثليها المؤتمنين بدورهم، أي المخاتير. وعندما تصل لوائح الشطب إلى المخاتير، عليهم القيام بمهمّاتهم، وإن لم يفعلوا ذلك بأمانة فيجب بكل بساطة تغييرهم، لا نشر بيانات المواطنين على الإنترنت لمعالجة أخطائهم!. فتوفير هذه الداتا الضخمة عن كل اللبنانيين، لمن يرغب، وطوال الوقت، لهو اعتداء سافر على خصوصية المواطن. وإذا كان القانون يجيز ذلك، فإن ما يجب فعله هو تغيير القانون. من قال إنه لا يجوز تغيير قانون الإعدام، أو قانون حرمان اللبنانية المتزوجة بأجنبي إعطاء جنسيتها لأولادها؟ أما تكريس هذا الانتهاك بحجة أن القانون، الذي وضع عام 2008، يجيز ذلك، فعذر أقبح من ذنب... واضعي القانون.
ثمّ إنّ استشهاد الوزير بعدد زوّار موقع الداخلية للاطّلاع على تلك الداتا، للتدليل على صوابية الخطوة هو، وعذراً للوصف، مسلٍّ. فإن كان عدد زوّار الموقع (بلغ منذ نشر اللوائح في 10 شباط مليونين و900 ألف زائر من أصل 3 ملايين و300 ألف ناخب محتمل) يدلّ على شيء، فإنّما يدل على أن الوزارة وفرت مادة للتلصّص، وأن عدد محبي «تركيب المقلة» كبير جداً: فرياضة البعض المفضّلة اليوم اكتشاف من كان متزوجاً بمن وفلان ما هو دينه، وأخرى بمن كانت متزوجة، ومن والد من، ... إلخ. من قال إنه يحق لأي كان أن يكتشف إن كان شخص ما متزوجاً؟ أو لديه أولاد؟ إن لم يكن هو يرغب في كشف ذلك؟.
هي الاستباحة السائدة للمواطن اللبناني بكل أشكالها، هكذا ينتظر تدوّيل مراقبة الانتخابات بحجة الديموقراطية، وتنتشر كاميرات المراقبة منتهكة كل حيّز، بحجة الأمن. أما الشفافية، فالإعجاز اللبناني حوّلها إلى مجرد.. ثقب للتلصص، لهواة النوع. وأما حقوق المواطن؟ فليس لها على ما يبدو في لبنان، من يكاتبها، حتى ولو وصل وزير إلى الداخلية من ميدان حقوق المجتمع المدني.