اعترف موقوفون في التحقيق الأولي بأنهم شكّلوا عصابة مسلحة في مخيم نهر البارد، لكنهم تراجعوا لاحقاً عن أقوالهم، قائلين إنها انتزعت منهم تحت التعذيب. وفي قرار لافت، رأت محكمة الجنايات في الشمال أن الاعتراف المذكور لا يشكل وحده دليلاً
طربلس ــ خالد سليمان
لم تأخذ محكمة الجنايات في طرابلس بتحقيقات الشرطة العسكرية التي أجريت مع مشتبه فيهم بتأليف عصابة مسلحة، والتي تضمنت اعترافاً من الموقوفين بتأليف العصابة وارتكاب عدد من الجنايات في مخيم نهر البارد.
تعود القضية إلى عام 1999، عندما ألقى مجهولون قنبلتين يدويتين على خيم من القماش يعيش فيها عمال سوريون في منطقة العبدة، بالقرب من مخيم نهر البارد. في ذلك الوقت، عثر قرب الخيم المحترقة على رسالة مكتوبة بخط اليد، وموقعة باسم «العمال اللبنانيون الجائعون»، تدعو إلى الكف عن توظيف العمال الأجانب والسوريين، «وإلا فإن الجوع والفقر سيكونان بانتظار الجميع».
وعلى إثر هذه الحادثة، أوقفت مديرية استخبارات الجيش اللبناني عدداً من الأشخاص المشتبه فيهم. وخلال التحقيق معهم لدى الشرطة العسكرية، اعترفوا بقيام أحدهم بتأليف عصابة أطلق عليها اسم «عصابة الجوارح» التي تضم عشرات الشبان، من بينهم المتهم ر. ز. وهذه العصابة حاولت فرض سطوتها وهيمنتها على سكان مخيم نهر البارد عن طريق التجول داخل المخيم بالأسلحة، وفرض الخوّات على صيادي الأسماك عند الشاطئ، والتدخل في النزاعات الحاصلة بين أهالي المخيم وفرض الحلول التي يرتئيها أعضاؤها. وأشار الموقوفون إلى أن هدفهم المنشود كان «الحلول مكان اللجنة الأمنية الفلسطينية داخل المخيم».
وأمام مفرزة طربلس في الشرطة القضائية، ذكر الموقوفون أن تسمية «عصابة الجوارح» حصلت في إطار المزاح، حيث استمدّ أحد الشبان في المخيم الاسم من عنوان أحد المسلسلات التلفزيونية السورية.
ولدى التحقيق مع أفراد «العصابة» في دائرة قاضي التحقيق بطرابلس، أجمعوا على عدم وجود عصابة تدعى الجوارح داخل المخيم، مؤكدين أن إفاداتهم الأولية لدى الشرطة العسكرية غير صحيحة وأنها انتزعت منهم تحت الضرب والتعذيب، وأنهم وقّعوا عليها وهم معصوبو الأعين. وذكر عدد من الموقوفين أنهم راحوا يذكرون أي اسم يرد على ذاكرتهم للتخفيف من وطأة الضرب.
المخبر الذي وشى بالموقوفين قال أمام قاضي التحقيق إنه يعمل لحساب استخبارات الجيش، وإنه كان قد سمع بالتواتر عن وجود عصابة تدعى «الجوارح» داخل مخيم البارد، مشيراً إلى أنه يجهل طبيعة عملها.
وبناءً على ذلك، رأت محكمة الجنايات في الشمال (المؤلفة من الرئيس منير عبد الله والمستشارين حسام النجار وبسام الحاج) في قرار أصدرته (قبل التشكيلات القضائية) أن الدليل الوحيد المساق ضد المتهم ز. ر. هو إفادات رفاقه الذين أدلوا بها لدى الشرطة العسكرية، والذين قالوا لاحقاً في كل مراحل التحقيق إنها انتزعت منهم تحت التعذيب. وفضلاً عن ذلك، ذكرت المحكمة في قرارها أنه لم يثبت أساساً من كل التحقيقات التي أجريت في إطار هذه القضية وجود مثل هذه العصابة، إذ لم ترصد أي أفعال جرمية داخل المخيم أو خارجه مصدرها أشخاص هذه العصابة أو منسوبة إليهم. وقضت استناداً إلى ما تقدم بتبرئة المتهم ز. ر. وإطلاق سراحه، لعدم كفاية الدليل.
تجدر الإشارة إلى أن المتهم كان قد قضى في السجن نحو أربعة أشهر، قبل أن تبرّئه المحكمة من جناية المادة 336 من قانون العقوبات، التي تنص على عقوبة قد تصل إلى الأشغال الشاقة المؤبدة لمن تثبت مشاركته في عصابة مسلحة.