مرض السل ما زال يثير قلقاً كبيراً، منظمات دولية تتخوف من عودة انتشاره بكثافة في العالم، ووضعت منظمة الصحة العالمية خطة من أجل خفض عدد الإصابات بالمرض الذي ينتقل في الهواء إذا عطس المريض، علاجه ممكن من خلال تناول مضادات حيوية، واستكمال العلاج أمر ضروري جداً

غادة دندش
السل أو الوباء الذي أرعب البشرية طوال عصور وحصد ملايين الضحايا، يطلّ برأسه المخيف من جديد، وتحذر الهيئات الدولية المهتمة من مخاطر انتشاره مجدداً على نطاق واسع، ففي التقرير الأخير لمنظّمة الصّحة العالمية لفت إلى أن المصابين بعصية السل في العالم نحو ملياري شخص، وهذه العصية هي الميكروب الذي قد يسبب المرض، وقد ورد أن 55% من الإصابات هي في آسيا و31% في أفريقيا، وأن هناك نسبة تبلغ 6% في المنطقة الواقعة شرق البحر الأبيض المتوسّط و5% في المناطق الأوروبية و3% في المناطق الأميركية. أما البلدان التي تحتلّ المراتب الخمس الأولى من حيث عدد الإصابات فهي الهند، ويبلغ عدد الإصابات فيها مليونين تليها الصين بعدد يناهز 1.3 مليون إصابة وإندونيسيا (530 ألف إصابة) ونيجيريا (460 ألف إصابة) وأخيراً أفريقيا الجنوبية (460 ألف إصابة) أيضاً. وفي تقرير سابق لمنظّمة الصحّة العالمية يبدو أن عدد الإصابات بمرض السلّ قد بلغ عام 2007 أكثر من تسعة ملايين إصابة، أي بزيادة ثلاثين ألف إصابة عن عام 2006. لكن الرقم الذي يخيف العلماء والمعنيين أكثر يتعلق بعدد ضحايا المرض الذين فارقوا الحياة بنتيجة إصابتهم بالسلّ والذي بلغ مليوناً وسبعمئة وخمسين ألف ضحيّة، من بينها نسبة 25% مرتبطة بإصابة مريض السلّ بمرض السيدا أيضاً. لقد وضعت منظّمة الصحّة العالمية بالتعاون مع مجموعة من الدول والمنظّمات خطّة لمواجهة تفشي هذا الوباء بعنوان Halte a la tuberculose تهدف إلى اتخاذ الإجراءات من أجل خفض عدد الإصابات بالسلّ بحلول عام 2015 وخفض حالات الموت من جراء الإصابة بالسلّ إلى النصف بحلول هذا العام، والكشف عن أكثر من 70% من الحالات الجديدة التي تعطي نتيجة إيجابية مع ما يُعرف بفحص السلّ داخل الأدمة ومحاربة حالات الإصابة المزدوجة بالسلّ والسيدا والمساهمة في تحسين مستوى الخدمات الصحّية الأساسية ورفعها في البلدان الفقيرة والنامية، وكذلك تسريع الدراسات التي تتابع حالات السلّ وانتشارها في العالم وأساليب علاجها والوقاية منها.



لقد أحيت الـمنظمة وحكومات بعض الدول والمنظّمات التي تحارب وباء السلّ في 24 الشهر الجاري اليوم العالمي للسلّ، وهو التاريخ الذي أعلن فيه الدكتور Robert Koch أمام مجموعة من الأطباء في برلين اكتشافه لـ Mycobacterium tuberculosis العصيّة المسبّبة لمرض السلّ وذلك عام 1882. هدف إحياء هذا اليوم في كل عام هو تسليط الضوء على خطورة هذا الوباء المتجدّد الذي هو مرض التهابي معدٍ يصيب الرئتين أساساً، لكنه قد يصيب مناطق أخرى من الجسم مثل العظام والأعضاء التناسلية والأعضاء الداخلية كالكبد والطحال وغيرها والغشاء المحيط بالقلب والغشاء المحيط بالدماغ أي الـ meninges والعقد اللمفاوية وغيرها. من عوارض هذا المرض فقدان الوزن من دون سبب واضح والتعب الدائم وفقدان الشهية وارتفاع درجة الحرارة والسعال الغني بالبلغم وظهور الدماء في هذا الأخير في المراحل المتقّدمة. ينتقل هذا المرض عبر الهواء إذا عطس مريض مصاب بالسلّ الرئوي أو سعل وفي بعض الأحيان حتى التثاؤب أو الكلام. تبقى العصّيات الموجودة في الرذاذ الخارج من فم المصاب لمدّة ساعات حيّة في الهواء ويمكن لأي شخص موجود في المكان استنشاقها والتقاط العدوى الأولية التي لا تتحول بالضرورة إلى الإصابة بمرض السلّ الرئوي، حيث تؤكّد الدراسات أن 10% فقط من هذه الإصابات الأولية تتطوّر إلى حالة التقاط العدوى، وهي حالة قد تستمر مدى الحياة دون ظهور أي عارض من عوارض المرض. الأشخاص الذين يحملون عصيّة السلّ دون الإصابة بالمرض لا يستطيعون نقل العدوى بسبب غياب العصيّات من البلغم واللعاب لديهم. 5% فقط يصابون بالمرض حسب الإحصاءات العالمية، وسبب ذلك في معظم الأحيان ضعف جهاز المناعة الذي يحارب هذه العصيّات عند انتقالها إلى الدمّ في المراحل الأولى من انتقال العدوى وينتصر عليها إذا كان في حالته الطبيعية. من الممكن تحديد الإصابة بالسلّ عبر مجموعة من الفحوص الطبيّة، منها الفحص داخل الأدمغة test intradermique والتصوير الشعاعي للرئتين وفحص البلغم المخبري. من الممكن معالجة السلّ كلياً من خلال تناول مجموعة محدّدة من المضادات الحيوية لمدّة تتراوح بين الستة أشهر والسنتين، ويحذّر الأطباء من أن عدم العلاج أفضل بكثير من عدم استكمال العلاج حتى النهاية، لأنه في الحالة الأخيرة تظهر أنواع جديدة من عصيّات السلّ تملك مناعة قوّية ضدّ المضادات الحيوية. ويكون علاج هذه الحالات التي تمثّل مشكلة خطيرة يواجهها العلماء اليوم أصعب بكثير. هذا إذا كان علاجها ممكناً. أمّا لقاح الـ BCG فيملك فعالية عالية لدى الأطفال حيث يحمي 90% منهم من الإصابة بالمرض، أما بالنسبة للراشدين فقد أظهرت الدراسات أن نسبة فعاليته لا تتجاوز 50%.