بعد شهرته وسط محبّي التزلج من لبنانيين وأجانب، تتضافر عوامل عدة لتحجيم موسم التزلج في لبنان، البلد العربي الوحيد الذي يتيح ممارسة هذه الرياضة. فإضافةً إلى ظاهرة الاحتباس الحراري الذي يسرّع ذوبان الثلوج، وقلة أمان الطريق المؤدية إلى اللقلوق بسبب حُفرها الكثيرة، تبدو مصاريف عطلة التزلج مرهقة بالنسبة إلى الطبقة المتوسطة من الزبائن، لكن موسم اللقلوق يظلّ مستمراً
اللقلوق ــ جوانا عازار
«صحيح تأخر التلج، بس في تلج أو ما في تلج ما بيهمّ، اللّبنانيّ يحبّ الاستمتاع، والمناطق الجبليّة ومنها اللقلوق مغرية للابتعاد عن جوّ التوتر في العاصمة وضغط الحياة». هكذا، ترد حنان مرهج، المتزلجة التي استوقفناها في طريقها إلى اللّقلوق.
على الطريق المؤدّية إلى حلبة اللقلوق عائلات ركنت سيّاراتها جانباً وترجّل منها أطفال لتصميم رجل ثلج يحمل توقيعهم، بينما انكبّ الكبار على جمع الثلج ووضعه على السيّارة ليعودوا به إلى الساحل. هنا، على علّو يراوح بين 1700 إلى 1950 م، يأتي كثيرون ليمارسوا رياضة التزلّج. منهم الشاب طوني برق، الذي يزور حلبة اللقلوق للمرة التاسعة هذا الموسم ويصف الموسم بالرائع، رغم أنّ «سُمك الثلج لم يكن كبيراً خلال الفترة السابقة»، كما يقول.
أما بالنسبة إلى جاد نعمة، فقلة سُمك الثلج ليست المشكلة، بل الطريق المؤدّية إلى اللقلوق، التي لا يستغرب حالتها لأنّ «الجوَر فولكلور لبنان وتراثه»، كما يقول.
لا يقصد اللقلوق محبّو التزلج فقط من أمثال إيلي باولي، ليبان بكريجيان وطوني شحاده الذين يأتون من جل الديب ويصفون الموسم «بالحلو»، متمنّين «أن تنشط الحياة الليليّة في المنطقة بشكل أكبر»، بل يقصده أيضاً الباحثون عن الاسترخاء في الشمس، لأن «البرونزاج ما بيشكي من شي، وخصوصاً حين ترافقه منقوشة ساخنة من السناك المحاذي للحلبة»، كما تقول كريستين صليبا، التي لا تجيد رياضة التزلّج، بل ترافق أصدقاءها بهدف تحقيق الاستجمام والتسلية.
ينشط على حلبة اللقلوق للتزلج الهواة والمحترفون، بينما يتوسط جدار المكتب المخصّص للمدرّبين، وعددهم نحو 34 لتعليم رياضة «السكي» و«السنو بورد» ( Snowboard )، إطار لوحة كُتبت عليها عبارة من توقيع بطل التزلّج الفرنسي روجيه دوكريه تقول، ما معناه باللغة العربية، إن «التزلج هو ذكاء القدمين». يزور هذا البطل الفرنسي اللقلوق لمدّة 15 يوماً في كلّ موسم، يقود ورش عمل ودورات تدريبيّة للمدربين، ليحيطهم علماً بكل جديد في مجال التقنيّات الجديدة في عالم التزلّج.
«بدأ موسم هذا العام في رأس السنة واستمرّ نحو 25 يوماً، لينقطع بعدها لنحو عشرة أيّام ثم يعاود الانطلاق» كما يفيد مستثمر محطّة اللقلوق ومدير مشروع Village vacances للتزلّج فيها سمير صعب، مضيفاً إن الإقبال قد «تقلّص بنسبة 50 % مقارنةً بالسنوات السابقة، في جميع محطات التزلّج في لبنان، رغم لجوء العاملين في هذا القطاع إلى خفض الأسعار التي كانوا يعتمدونها سابقاً».
أما أسباب ذلك التراجع، فيفيد صعب أنها كثيرة، من ضمنها «حالة الجوّ المتقلّب الذي يطابق المقولة الشعبية القائلة «هبّة باردة، هبّة سخنة»، إضافةً إلى ميول اللبنانييّن نحو التقشف في مصاريفهم، وخصوصاً بعد الأزمة المالية الأخيرة، وإلى الحادث الذي وقع في فاريا وأودى بحياة شابّ رفع أهله الملصقات التي تسأل «Who’s next».
يكشف صعب أنّ اختصاصييّن من النمسا زاروا لبنان منذ عشر سنوات حين كان عدد المتزلّجين فيه 30 ألف متزلّج، توقّعوا أن يصل عددهم إلى 300 ألف بعد 20 سنة، إلّا أنّه، على العكس من ذلك، «انخفض العدد إلى 20 ألفاً، وتحوّلت معه رياضة التزلّج إلى رياضة أرستقراطيّة للأثرياء فقط»، كما قال.
تصل نسبة زوّار اللقلوق من اللبنانيين إلى 95%، معظمهم من مدن جبيل، طرابلس، والبترون، وبيروت، بينما تتكوّن النسبة الباقية من غربيين ومن عرب أغلبيتهم أردنيّون. وبينما ترتفع نسبة الزوار من الشباب خلال أيام الأسبوع، تشهد عطلة نهاية الأسبوع ارتفاع نسب العائلات.
وفيما تظلّ نشرات الجوّ هي المعيار الأهم الذي يتّكل عليه المتزلجون لترتيب زيارتهم إلى حلبات التزلّج والحجز في الفنادق، يتوقع صعب أنّ «يطول موسم التزلج هذا العام إذا ما صحّت توقّعات مطبوخ بزّمار (رزنامة دينيّة)، ما سيعود بالفائدة العالية على اللقلوق، وخصوصاً أنها منطقة تتفرّد بميزة مهمة، هي أنها محميّة من الهواء».
وبما أن نجاح الموسم وكل موسم يعتمد على عوامل عدة، من ضمنها اهتمام الجرّافات بفتح الطريق بطريقة دائمة، فإنّ وضع الحجر الأساس لطريق عنايا ـــ إهمج اللقلوق وتلزيمها يمثّلان «خطوة مهمة، على أمل ألّا يطول إنجازها، ستسهم حتماً في تطوير المنطقة وإنمائها، ولا سيما من خلال تنشيط موسم التزلج»، كما تؤكد سميرة فيّاض، صاحبة أحد محال بيع السمانة في عنايا، التي تلفت إلى أنّه «رغم حركة الناس الناشطة خلال موسم التزلج، فإنّ البيع خفيف، ويتركّز بنسبته الكبرى على بيع الشوكولاته، مقارنةً بموسم الصيف حيث تزداد نسبة الزوار ازدياداً ملحوظاً لأن تخوّفهم من الطريق يكون أقلّ».
الأهمية ذاتها يوليها مارون خالد، موظّف في أحد محالّ تأجير عدّة التزلج في بلدة إهمج، لإنجاز هذا الطريق، إذ يقول «رجعنا لوَرا 90%، رغم أننا قد خفّضنا الأسعار ونقدّم العروض باستمرار، و«متل بعضها».
من هنا، فانّ إنجاز الطريق من شأنه تنمية المنطقة بأكملها، لأن إهمج وحدها مثلاً تحوي ستّة محالّ لتأجير عدّة التزلّج، سيحقق أصحابها، وأصحاب المطاعم ومحطات المحروقات في استفادة أكبر في ما لو زاد عدد الزائرين».