تورونتو ـــ وسام بلوطلطالما أردت العودة إلى بيروت بعد إتمام دراستي في الخارج. كان ذلك وعداً قطعته على والديّ. وعد يتناولانه يومياً مذ حينها، كحبة دواء، تسهّل عليهما الانتظار. ها قد مضت عشر سنوات على غيابي، وفكرة العودة النهائية ليست واردة. تبخّر الوعد، ولم يبق في ذهني سوى ذكريات أسوار مدرستي الأولى، وشوارع المدينة المليئة بالرايات والشعارات وملصقات الحائط، وهيبة جبل لبنان المشع في عينيّ الدامعتين عند إقلاع الطائرة المغادرة في كل عام بعد انقضاء الإجازة.
ربما لن أعود، خوفاً من أن أصبح أسير أرقام مبتذلة تحدد هويتي. فأنا واقعي كفاية لأعترف بوجودها، هي التي تحدد مساحة الوطن. لن أعود لأني قرأت يوماً أن التاريخ يعيد نفسه مرتين. أما حين يعيد التاريخ نفسه مرات ثالثة ورابعة، فيتعذّر عليّ التحمل، ويتخطى ذلك التكرار طاقتي، إذ ينأى بالتاريخ عن مسلكه الطبيعي، ويقترب به أكثر فأكثر نحو حدود معاكسة التاريخ والطبيعة. فوطن النجوم قد اعتاد على المأساة، وتزاوج مع المهزلة.
رغم ذلك، فإني لم أتنازل يوماً عن شعوري بفوقية ما وكبرياء لا أعرف مصدره، لانتمائي إلى وطن لطالما أنار الشرق بحريته، وأحرق نفسه بلهيبها في كل مرة كان كيانه في خطر.
حسبي أنني من جبل هو بين الله والأرض كلام، يراه الشاعر سعيد عقل «كالشمسِ في قسمتها تلدُ النورَ وتعطيه الأنام»
غدا الوطن في المنفى وما زلت أنتظر لحظة انبعاثه من الرماد ليعود أرجوانياً ويحيا من جديد. فهل يطول الانتظار؟