لن يغيّر طلب المحكمة الخاصّة من القضاء اللبناني انتقال الاختصاص في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري وآخرين إليها المشهد القضائي كثيراً، إنما هي خطوة تمهّد لمرحلة حافلة بالتطوّرات الصدامية بين السياسة والعدل
عمر نشابة
أخذ أمس الصراع بين السياسة والعدل في حلبة المحكمة الخاصة للبنان منحى جديداً، فبدا للبعض أن السياسة استعارت قناع العدل، إما لتختبئ وراءه تسهيلاً لتراجعها، أو لتخدع العدل الصادق من خلال استعراض اختراعات فقهية.
قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الخاصة للبنان، دنيال فرنسين، أرسل أمس مستنداً رسمياً إلى السلطات القضائية اللبنانية طلب فيه، بحسب القاعدة 17 من نظام الأدلّة والإجراءات، وطبقاً للرسالة التي كان قد بعثها إليه المدعي العام الدولي، دنيال بلمار، في الخامس والعشرين من الشهر الماضي «تنازل السلطات اللبنانية، المكلفة بالتحقيق في الهجوم الذي استهدف رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري وآخرين، عن اختصاصها إلى المحكمة الخاصة؛ وإحالة نتائج التحقيق ونسخة عن سجلّات المحكمة ومواد الإثبات الأخرى ذات الصلة إلى المدعي العام في المحكمة الخاصّة؛ وتقديم قائمة بأسماء الأشخاص رهن التحقيق في القضية إلى قاضي الإجراءات التمهيدية». ولدى السلطات اللبنانية مهلة 14 يوماً للاستجابة للطلب بحسب قواعد الإجراءات والأدلّة التي نُشرت في 24 آذار الفائت.
كان يفترض أن يصدر عن مكتب العلاقات العامة في المحكمة الخاصّة بيان بهذا الشأن، مرفق بالنصّ الكامل للطلب الرسمي، لكن تقرّر بعد ظهر أمس التريّث «لتطّلع السلطات القضائية اللبنانية عليه أوّلاً»، بحسب ما ورد على لسان أحد المسؤولين في المحكمة. طرحت «الأخبار» عليه وعلى غيره من المسؤولين في المحكمة في لايتسكندام سؤالاً وحيداً: بموجب أي نصّ قانوني سيستمرّ توقيف الضباط الأربعة: اللواءين جميل السيد وعلي الحاج والعميدين ريمون عازار ومصطفى حمدان بعد استجابة السلطات القضائية اللبنانية لطلب القاضي فرنسين بإرسال لوائح بأسمائهم؟
بما أن السؤال بقي من دون جواب رسمي حتى ساعة متأخرة من مساء أمس، فقد تساءل بعض القانونيين: هل يدخل «سجن شعبة المعلومات» في مجمّع السجن المركزي، حيث يُعتقل الضباط منذ نحو 3 أعوام ونصف، إلى العهدة القضائية للمحكمة الدولية؟ وفي هذه الحالة التي رجّحها خبراء قانونيون لحين اتخاذ القاضي فرنسين قراره بإخلاء سبيلهم أو بالاستماع إليهم عبر التواصل الإلكتروني بالصورة (video conference بحسب القاعدة 17)، يحقّق العدل تقدّماً على السياسة رغم عدم قانونية «الشعبة». فبالنسبة إلى المحكمة الدولية إن هذا شأن لبناني لا يعنيها، لكن تتحمّل السلطات المحلية مسؤولية حماية الضباط «خلال المدة القصيرة التي تسبق بتّ أمرهم»، بحسب مسؤول أممي، «بينما تحتفظ المحكمة الخاصة بالسلطة القضائية عليهم».
أما إذا تأخّرت السلطات اللبنانية في الاستجابة لطلب القاضي فرنسين، وإذا أضيفت ملفات مستحدثة إلى ما سيُرسل إلى لايتسكندام من ملفّات تحقيق، فقد تصبح المواجهة بين السياسة والعدل مصارعة حرّة، يحقّ فيها للاعبين توجيه ضربات «من تحت الزنّار». إذ إن المحكمة الخاصة لن تتحمّل اتهامها قضائياً بالاعتقال التعسّفي، بل يفضّل القيّمون عليها رمي هذا الاتهام على القضاء اللبناني. وكان وكيل اللواء الركن جميل السيد، أنطوان قرقماز، قد أعلن لـ«الأخبار» من باريس أنه كان قد قدّم طلب إخلاء سبيل موكله من المحكمة الخاصة في الثالث من آذار 2009 من دون أن يحصل على جواب، وهو أمر غير مقبول قانونياً بحسب المعايير الدولية.
وكان المحامي أكرم عازوري قد اعتبر أن «حسن النية والحماسة للمحكمة المعلنين رسمياً يقتضيان أن يقترنا بالفعل، وأن تبادر الحكومة اللبنانية فوراً إلى مراجعة المحكمة الخاصة بلبنان بشأن مصير طلب السيد بلمار، والمسارعة إلى تبلّغه والاستجابة إليه فوراً». وختم قائلاً إن «الموقف اللامبالي للحكومة ينبئ بنية تمديد أمد اعتقال الضباط بحجة الشكليات الإجرائية».