عندما يعاني ولد ما التأخر الدراسي، يميل الأهل نحو تحميله المسؤولية، ولا يتنبّهون إلى أن هذا التأخّر دليل مشاكل ذهنية أو نفسية أو اجتماعية يعانيها الولد. كما يتناسون أن الجو الأسري واضطراباته، إضافةً إلى سلوك الإدارة في المدرسة من أهم أسباب هذه المشكلة
زينب زعيتر
رنا ورانيا (١٣ سنة) توأمان نادراً ما تفترقان. رنا في الصف السابع، بينما رانيا في الخامس، وهي تروي حكايتها بجمل قصيرة متقطّعة، تبدو خجولة تتلعثم في الكلام، تقول «أنا لست في صف رنا أختي لأنّها أشطر منّي، فأنا أنسى دائماً كل ما أدرسه، في الصف لا أستطيع التركيز، أستاذ الرياضيات يقول إن من يعرف حلول المسائل الرياضية تلميذ ذكي، وأنا أعجز عن حل حسابات الجمع والطرح». تؤكّد والدة الفتاتين أنّها تتعامل مع ابنتيها بالأسلوب نفسه في التعليم والمتابعة، وتقول «أنا أدرّسهما بنفسي، رنا تبدي نتائج إيجابية باستمرار، وهي فتاة تحب التواصل مع الناس، وتظهر ثقةً عاليةً بالنفس. بينما رانيا تفضّل الانزواء، وتبدو مستسلمة للحالة التي تعانيها».
الدكتورة سمر الزغبي، أستاذة في كلية التربية، تقول «تعاني رانيا مشكلة التأخّر الدراسي لأسبابٍ عقلية وإدراكية، تتجلّى في أبرز سماتها بنقص في الذكاء وصعوبة في التفكير والاستنتاج. هذا إضافةً إلى أسباب انفعالية نفسية، فهي فتاة خجولة جداً تتلعثم دائماً في كلامها ولا تستطيع التعبير عما يدور في داخلها». ورداً على قول الأم إنها تعامل الفتاتين بأسلوب واحد، تلفت الزغبي «ليس هناك تربية واحدة في كل بيت، في الأسرة نمط عام تربوي، ولكن لا يجوز إخضاع كل الأولاد لطريقة تدريس واحدة، فظروف كل ولد واستعداداته مختلفة عن الآخرين».
تُعدّ رانياً نموذجاً لأطفال يعانون مشكلة التأخّر الدراسي الذي يعني أن يكون تحصيل الولد المعرفي قليلاً مقارنةً بمستوى من هم في مثل سنه. علي (15 عاماً) تنقّل بين مصر ولبنان، وبسبب الاختلافات في المناهج التعليمية، لم يُقبل في مدرسته اللبنانية إلّا بعدما جرى ترسيبه ثلاثة صفوف، وهو يحمّل والديه مسؤولية تأخره «كان عليهم أن يتركوني في مصر لأتابع دراستي هناك»، إلّا أن الزغبي تؤكد أن المدرسة تتحمّل جزءاً كبيراً من المسؤولية، فعلى إدارة المدرسة «دراسة الملف القديم للتلميذ، وأن تأخذ بعين الاعتبار المواد الدراسية التي تابعها والعمر الزمني، ومن الخطأ إرجاعه أكثر من صف إلى الوراء».



طارق (١٥عاماً) رسب في صفه لثلاث سنوات، وهو يلقي اللوم على أهله، يقول «لم ألقَ أي تشجيع في المنزل، أبي كان يضربني إذا رسبت في إحدى المواد، ومع أنّنا ميسورو الحال فإن أبي لم يستقدم أستاذ دروس خصوصية لمساعدتي»، يتحمل الأهل المسؤولية الكبرى في تراجع طارق الدراسي، والمدرسة أيضاً مسؤولة عن ذلك، كما أن طارق نفسه يتحمّل جزءاً من المسؤولية. وتؤكد الزغبي على «ضرورة تحقيق الكفايات الكاملة في كل المواد، فإذا فقدنا حلقة من الكفايات يصعب تحقيق التأهيل والمعالجة بعدها».
التأخّر الدراسي قد يكون ناتجاً إذاً من «أسباب ذهنية، وهناك الأسباب النفسية التي قد يعانيها الطفل كضعف الثقة بالنفس أو الشرود الذهني وانعدام التركيز داخل غرفة الدرس، كما يُعدّ الشعور بالكسل والخجل من أهم الأسباب الانفعالية النفسية التي تؤدي إلى التأخر الدراسي»، ومن الأسباب التي يتحدث عنها التربويّون الانطواء، إذ يحصر الطفل نفسه في خانة ضيقة لا يستطيع الخروج منها بسهولة. وبحسب الزغبي «الأسباب الاجتماعية» يمكن معالجتها بسهولة، وذلك عن طريق المعالجة النفسية والتعامل مع الأطفال بطريقة ودّية تنبّههم إلى أهميتهم في الحياة.
المدرسة تؤدّي دوراً في تأخر بعض التلامذة، وذلك من خلال سوء توزيع التلاميذ في الفصول وعدم الانتظام في الدراسة واستبدال معلمي بعض المواد خلال السنة الدراسية، والتنظيم الإداري السيّئ، علماً أنّ التأخر الدراسي يمكن أن يكون في مادة واحدة.
وتتحدث الزغبي عن «الفجوة الثقافية» بين بعض الأهل وأبنائهم، وهي تقصد الفارق بين ما يتعلمه الولد في المدرسة وغياب معرفة الأهل به. ومن أهم أسباب التأخر المدرسي الجو العائلي المضطرب حيث يعاني الأولاد مشاكل كثيرة. وتدعو الزغبي إلى إخضاع الولد الذي يعاني تأخراً مدرسياً لتشخيص المعالج النفسي لمعرفة الأسباب الكامنة وراء هذا التأخر، ومن ثم يجري البحث عن العلاج. الدكتورة والمستشارة النفسية بيلا عون تؤكد أن من أهم نماذج التشخيص هو اختبار الذكاء، إضافةً إلى اختبارات يخضع لها الطفل والأهل لمعرفة أسباب التأخّر، وتُجرى هذه الاختبارات في المدرسة.
بعد التشخيص ومعرفة سمات تأخّر الطفل، يأتي دور العلاج الذي يهدف إلى تمكين الولد المتأخر من الدخول في أجواء التعلّم وتطوير المهارات المعرفية والخبرات، ويختلف علاج التأخر الدراسي باختلاف السبب الكامن وراء كل حالة.
وتقول عون «عملية العلاج في الصف تكون بواسطة تأهيل المعلم والتلميذ إذا كان سبب التأخر ذهنياً ـــــ إدراكيا ،أمّا إذا كان السبب نفسياً فيجري العلاج في العيادات النفسية على مراحل، ويُبحث في الأسباب النفسية الاجتماعية والعائلية».
يمكن تقسيم عملية المعالجة إلى إطارين: الوقائي العلاجي، والتعليمي. ويتمثل الإطار الأول بتوجيه وإرشاد أكاديمي وتعليمي للمتأخرين دراسياً ومساعدتهم في مجال الخدمات التعليمية والمتابعة الصحية، ومساعدتهم أيضاً على التكيّف مع البيئة المدرسية، وتنبيههم إلى أهميتهم في الحياة. وفي الإطار التعليمي إذا كان الأسلوب المتّبع في المدرسة هو السبب في التأخّر فلا بدّ من تغييره، ومساعدة الأطفال على تنظيم أوقاتهم في ما يختص بدراستهم ومذاكراتهم في البيت، ويجري ذلك بالتنسيق مع العائلات.


تأسف سمر الزغبي «لأنّ عدداً كبيراً من المدارس في لبنان هي مدارس تجارية يهمّها الربح أوّلاً، وفيها قد يعاني التلميذ صعوبات عديدة ويواجه إحباطات قد ترافقه طيلة حياته فيعاني حالة نفسية سيئة، فيما الأهل وإدارة المدرسة يكملون حياتهم دون الالتفات إليه أو دون البحث عن سبل جدية لمعالجته»