ابن إحسان عبد القدوس وحفيد روز اليوسف يريد نفسه جسراً بين الإسلام والمجتمع، ويقدّم نموذجاً منفتحاً وعصريّاً لـ«الإخوان». رئيس لجنة الحريات في «نقابة الصحافيين المصريين»، حوّل درج النقابة إلى «هايد بارك» للمعارضة، وجعل المؤسسة منبراً يتسع لكل الاتجاهات السياسية والقضايا الاجتماعيّة والقوميّة
مصطفى بسيوني
على مدى السنوات العشر الأخيرة، ارتبط اسم لجنة الحريات في نقابة الصحافيين باسم محمد عبد القدوس. وطوال تلك الفترة، كان يندر أن نجد درج نقابة الصحافيين، الواقعة في شارع عبد الخالق ثروت في القاهرة، خالياً من علم محمد عبد القدوس ومايكروفونه الذي اشتهر بحمله في التظاهرات.
عبد القدوس سليل اثنين من مشاهير الحياة الثقافية المصرية: والده الأديب الكبير إحسان عبد القدوس صاحب في «بيتنا رجل» و«لا وقت للحب»، وجدّته الصحافية روز اليوسف مؤسسة المجلّة العريقة التي تحمل اسمها. أما هو، فاختار الانتماء إلى «الإخوان المسلمين». بين نشأته في بيئة تزخر بالأدب والفن والثقافة، وانتمائه السياسي، مثّل الصحافي المصري المعروف نموذجاً إنسانياً فريداً، مزج الالتزام السياسي ــــ الديني، بشخصيّة مرنة وبسيطة تتفاعل مع الجميع وتعترف بالتنوع والاختلاف.
في مكتبه في النقابة، حيث يرأس لجنة الحريات، يستقبلك بسِمة الهدوء نفسها التي ترتسم على وجهه في التظاهرات، وحتّى أثناء الصدام مع قوى الأمن. تلاحظ عندها أنّ الهدوء والمودة وسعة الصدر التي يتّسم بها، لا تتغيّر مهما كانت الظروف، كذلك فإنّ عبارته الشهيرة «أيوه يا عمّنا» تسبقه إلى كلّ من يحدّثه. يمثّل محمد عبد القدوس حالة نادرة في السياسة المصرية. هو الوحيد القادر على التعامل مع جميع الأطراف، من دون الوقوع في فخّ الانتهازية أو المساومة على مبدأ. يتطوّع لتبنّي قضايا الآخرين، حتّى لو لم تكن على جدول أعماله، أو على جدول أعمال الجماعة التي ينتمي إليها. إذ يعود إليه الفضل في عقد «المؤتمر التأسيسي لنقابة الضرائب»، فقد عمل على ذلك المشروع، من خلال مسؤوليّته في لجنة الحريات، ما جعله محطّ هجوم عنيف في أروقة نقابة الصحافيين.
تولّى عبد القدوس منصب مقرر لجنة الحريات في النقابة للمرة الأولى عام 1985 وذلك لدورة واحدة مدّتها أربع سنوات، ثمّ عاد إلى منصبه عام 1999 وبقي فيه حتى اليوم. خلال هذه الفترة، نجح في تحويل النقابة إلى منبر حقيقي للحريات العامّة، بغضّ النظر عن الانتماء السياسي لمجلس النقابة أو النقيب. هكذا، تحوّل درجها إلى ملاذٍ حقيقي لكلّ صاحب قضية، سواء كان من الصحافيين أو من معارضي «الكويز» (وهي اتفاقيّة المناطق الصناعيّة المؤهلة التي وقعتها مصر وإسرائيل والولايات المتحدة عام 2004)، أو سكان حي الدويقة العشوائي في العاصمة المصريّة الذين وقعوا ضحيّة انهيار صخري ضخم، أو الفلاحين الذين طُردوا من أراضيهم. هكذا، نجح في تحويل ذلك الدرج إلى «هايد بارك» مصري. «هدف لجنة الحريات خدمة الصحافيين والدفاع عن الصحافة، ولكنها أيضاً ضمير الوطن بأكمله. اتهموني في البداية بأني أحوّل النقابة إلى نقابة إخوان، واليوم يتهمونني بأنني حولتها إلى «محطة لكلّ من هب ودب». ولكن أين يذهب هؤلاء المهمّشون وغيرهم من أصحاب القضايا؟ النقابة لها دور قومي ولن تتخلى عنه».
يرفض عبد القدوس أن يقتصر دور النقابة على الجوانب المهنية فقط، ويرى أن من يطرح ذلك زاعماً الحرص على مهنة الصحافة، هو أوّل من يهدر قيم المهنة. «كتّاب الحكومة سبب من أسباب تدهور المهنة، ورؤساء تحرير الحكومة يفرضون أجواءً خانقة ومعادية للموهبة في الصحف القومية. وضيق هامش الحرية هو الخطر الأكبر على مهنة القلم التي لا يمكن أن تتنفس من دون حرية. لقد تغيرت مصر بعد انتفاضة الأقصى (2000) ثم غزو العراق (2003). هذه الأحداث أيقظت المجتمع، وكان من الطبيعي أن يتحوّل درج النقابة إلى منبر. فالنقابة جزء من المجتمع وليست في المريخ».
انتماؤه إلى جماعة «الإخوان المسلمين» لا ينعكس كثيراً على أدائه اليومي، السياسي أو الشخصي، على الرغم من التزامه القاطع دينيّاً وسياسياً. ربما لأنّه يسعى دوماً إلى تقديم نموذج منفتح وعصري لـ«الإخوان». «اتّجه جيلي نحو الإسلام بعد هزيمة 1967: الشيخ عمر التلمساني (1904 ــــ 1986) الذي أعاد تنظيم صفوف الجماعة بعد خروج أعضائها من السجون في عهد أنور السادات ينتمي إلى الوسطية التي ترفض التحريم والانحلال. أنا الكاتب الإسلامي الوحيد الذي يكتب في الفنّ، وأحاول أن أربط بين الفنّ النظيف والمجتمع، وأن أكون جسراً بين الإسلام والمجتمع».
لقد تحولت نقابة الصحافيين إلى «منطقة محررة» كما يسمّيها بعضهم، بفضل إصرار عبد القدوس، وعلمه ومايكروفونه اللذين يحملهما معه دائماً، ويعتبرهما ملكاً لكلّ صاحب قضية أو رأي أو موقف، حتى لو كان مختلفاً معه. يقف الصحافي دائماً إلى جانب حقوق كل فرد أو جماعة في التعبير، وهي الفضيلة التي لا يتمتع بها الكثير من السياسيين في مصر.
ولا يجد عبد القدوس تناقضاً بين دعمه لكل القضايا وانتمائه لـ«الإخوان»، وهو موقفٌ لا نجده عند آخرين يتبعون الانتماء نفسه. «أنا مقتنع تماماً بأهميّة الحريات السياسية في المجتمع، فالديكتاتورية هي سبب كل المصائب. وإنني مؤمن بأن العدالة الاجتماعية هي الطريق لمجتمع سويّ، ومؤمن بالحلّ الإسلامي. لا أستطيع التخلي عن أيّ واحد من اقتناعاتي هذه، و«الإخوان» يعطونني حرية واسعة في الحركة والتفاعل مع مختلف القوى، فضلاً عن أنّني مندوب «الإخوان المسلمين» في حركة «كفاية»».
دماثة الخلق والطيبة التي يتميز بها محمد عبد القدوس، لم تعفه من دخول السجن الذي زاره للمرة الأولى في عهد السادات (أيلول/ سبتمبر 1981)، وبقي فيه ثلاثة أشهر، في سياق حملة الاعتقالات الشهيرة التي شنها السادات على معارضيه. وعاد إلى السجن مرّه ثانية في عام 1985 بسبب مناهضته التطبيع. وبين عامي 2004 و2008 اعتُقل ستّ مرّات، إضافةً إلى تعرّضه لحوادث اعتداء مختلفة مثل تحطيم سيارته في عام 1995.
وعن هذه الزيارات المتكررة للسجن يقول بنبرته المعتادة: «يا عمّنا دي كلّها حاجات بسيطة»، ويضيف: «يجب أن ندفع ثمن الحرية. وأنا أفتخر بأنني أدخلت أصحاب الجلاليب وسكان العشوائيات إلى نقابة النخبة. أليس لذلك ثمن؟». أن يكون محمد عبد القدوس إخوانياً أو ناصرياً أو ماركسياً، لا فرق. فالجميع يتفق على أنه مكسب للحياة السياسية في مصر ولنقابة الصحافيين على وجه الخصوص... هو وعلمه ومايكروفونه.


5 تواريخ

1947
الولادة في القاهرة

1968
البدايات الصحافيّة في «الأهرام» ثم في «الأخبار»

1970
التخرج من كلية الحقوق في جامعة القاهرة

1985
عضو مجلس نقابة الصحافيين لأول مرة

2009
ألقي القبض عليه بسبب تظاهرات التضامن مع غزّة، وكان قد نظّم مع آخرين أولى التحركات التضامنيّة الشعبيّة، يوم السبت 22 كانون الأول (ديسمبر) 2008