وائل عبد الفتاحميتشل استمع. ماذا قالوا له؟ الحكيم القادم من زمن أميركي جديد يحمل خبرة حلّ قضية عمرها ٨٠٠ عام، كيف استقبل كلام «حكماء العرب». هل كان لديهم شيء يقولونه بعد ٨ سنوات من «الإملاء» فرضته إدارة بوش الجريحة من ١١ أيلول ٢٠٠١؟
ميتشل الخبير بإطفاء الحرائق، يمكنه أن يفهم كثيراً في آليّات وقف العنف. موضوعه أمني. وموضوعات الحكماء العرب أيضاً أمنيّة. كيف يطول خلودهم على المقاعد؟ مبارك قال لأوباما على التليفون في اليوم التالي للتنصيب: «القضية الفلسطينية هي مفتاح حل كل مشاكل المنطقة».
فرحَتْ صحف مدح الرئيس بالتصريح وجعلته «مانشيت» رئيسياً... وكأنّ مبارك قال جديداً أو اكتشف اكتشافاً لم يستخدمه كلّ الحكّام العرب الحاليّين والراحلين ليستمرّوا في الحكم إلى الأبد ومعهم المبرّر الناصع البياض: كلّ شيء مؤجّل حتّى تنتهي قضية فلسطين.
والحقيقة أن كل هذا كلام خادع... وأوهام لا يراد منها إلا تبرير الديكتاتورية والخراب والتخلّف باسم محاربة إسرائيل. ورغم أن الأنظمة توقّفت عن الحرب مع إسرائيل، إلا أنها ما زالت تستخدمها «شماعة الخطايا» التي أوصلت العالم العربي إلى حضيض يتجاوز ما وصلت إليه الدولة العثمانية في أيام مرضها الطويلة.
الحقيقة أن الديموقراطية هي مشكلة هذه المنطقة من العالم.
الديموقراطية أوّلاً، قبل كلّ شيء، هي مفتاح حل مشكل المنطقة، وفي مقدّمتها فلسطين.
الديموقراطيّة هي التي ستجعل الدول قويّةً إذا أرادت مواجهة إسرائيل على خط النار أو على طاولة المفاوضات. الدول الضعيفة لا تستطيع أن تحلّ مشكلة مياه الشرب في أصغر قرية مصرية، فما بالك بقضية فلسطين؟
وإذا طبقنا نظرية المؤامرة، فإن الحكام الذين يتحدثون عن فلسطين لديهم رغبة داخلية في عدم حل القضية لتظل هي المبرّر القوي لاستمرارهم ولتأجيل الديموقراطية إلى الأبد.
ما دخل القضية الفلسطينية في نظام قائم على تزوير الانتخابات، ويهوى تعذيب المواطنين في أقسام الشرطة؟
ما دخل فلسطين في اتساع القبضة الحديدية ومطاردتها حرية الرأي والتعبير والاعتقاد من الشوارع إلى حجرات النوم؟
ما علاقة الصراع مع إسرائيل بتدجين المعارضة ومنع التظاهر، والحياة تحت حكم قانون الطوارئ أكثر من ربع قرن؟ وهل المشكلة الفلسطينية هي سبب توحّش الفساد لِيلتهم الدولة ويمتصّ روحها وطاقتها الحيويّة؟ هل فلسطين وراء تحوّل الحاشية إلى مراكز قوى من طول الاستمرار على المقاعد دون محاسبة... وضعف السلطة التشريعية... والحرب لانتزاع استقلال السلطة القضائية؟
الديموقراطيّة، لا فلسطين، هي المشكلة الأولى في مصر والعالم العربي. والأنظمة التي استمع إليها ميتشل تحتاج فقط إلى إعادة تجديد تحالفها مع الولايات المتّحدة ليتجدّد التفويض. فهم يديرون بتفويض من واشنطن. ويريدون مع أوباما رخصة مفتوحة. يسعون إلى الاستفادة من فترة «الاستماع» لإعادة ترتيب أوراقهم.
استمع ميتشل إلى حِكَم ممزّقة، لا مشروع سلام. نصائح الخبراء بالمنطقة وخرائط طريق للرئيس الجديد. لا أفكار جديدة. خلاصات تجارب، ومرارات، ونبرات انتقام، وميراث هزائم. أنظمة عجوزة تنصح الرئيس الشاب، وترسل إليه رسائل حكمتها الخاصة ردّاً على رسائله.
أوباما بالتأكيد ليس منتخباً من أجل فلسطين. ولا يحمل معجزات للمنطقة. أوباما ليس ثورياً، لكنه تعبير عن قدرة لم تتمتع بها أميركا من قبل. القدرة على اقتراح الأحلام على البشرية. تعلن أميركا قوّتها بطريقة مختلفة. قدرة على الاستمرار بعد الصدمات ومقاومة الانهيار. وهذا يجعل الاستماع، في المئة يوم الأولى التي لا يحاسب فيها أحد الرئيس الجديد، أسلوباً جديداً لكن لا يمكنه أن يوحي بما ستكون عليه المواقف الجديدة. وما استمعه مفوّض أوباما بالتأكيد لن يساعده في اتخاذ مواقف جديدة. لأنه استمع إلى حكمة من مرهقين. عاجزين. يستمدون شرعيتهم من «التحالف» مع أميركا. قبلوا «إملاءات» بوش. ويفرحون الآن بأذن أوباما. وفي الحالتين لا جديد لديهم.
إنها لعبة مغلقة. استمع ميتشل لخبراء في حكم الشعوب. ومن المفروض أن يخرج منهم بخلاصة تساهم في بناء الموقف الأميركي الجديد. خلاصتهم ستكون باتجاه استمرارهم.
واستمرارهم بدون شرعية ولا تاريخية... يعني أن مشروع أوباما سيتحوّل إلى «إملاء» جديد لأنه لن يجد من يعارضه. سيرتّب المنطقة على مجرد «الإطفاء»، وهذا أقصى ما يمكن أن تحققه موازين القوى الحالية. لن يتحدث أحد عن الحقوق... إنّه «الأمن أوّلاً».
فماذا ستحمل أذن أوباما إلى المنطقة؟