ديما شريفجلست على السرير. أخرجت صيدليّتي الصغيرة ومددت قوارير الدواء أمامي. وضعت العدد المناسب من الكبسولات في كفّي وأخذت وقتي في تأمّلها. عددتها جيداً كي أتأكد من أنني لم أخطئ. بعدما انتهيت من العد للمرة الثالثة، انهمرت دموعي آلياً، كما يحصل كلّ ليلة. بعدما كفكفت دموعي تناولت حبات الدواء واحدة تلو الأخرى، تفصل بين كل واحدة وتلك التي تليها جرعة من التيكيلا، إذ منذ زمن طويل، لم يعد الماء قادراً على «دفش» الحبة ليساعدها في الوصول إلى معدتي.
أكتشف أنّها الساعة الثانية عشرة بعدما تبدأ «صوت الشعب» بعزف نشيد الأممية. أطفئ الراديو وأبحث بين اسطواناتي عن شيء ما لأسمعه. بعد بحث مضنٍ، أعود إلى الأسطوانة القابعة في مشغّل الأسطوانات، تلك التي أسمعها منذ مئة ليلة. تنساب السيمفونية غير المنتهية بصخب. أتذكر فجأة، للّيلة الثالثة على التوالي، أنّ أحد أصدقائي أحضر لي نسخة أفضل، لكنّني تركتها في العمل. وكالليلتين السابقتين، أحاول وضع reminder على هاتفي النقال لينبّهني في الغد إلى النسخة الجديدة، لكن أمحو عن طريق الخطأ ذلك الخاص بتذكيري بأن أتناول حبة دواء الظهيرة.
أفتح الجريدة وأبدأ بتصفّح ما أصبح أخبار أول من أمس. أشعر بِنَهم وحاجة إلى التعلّم، فأقرأ كل شيء، حتى الوفيات والإعلانات الرسمية، وإعلاناً عن الموازنة في أحد المصارف فأعجز عن قراءة الأرقام لكبرها.
أنتهي من قراءة الجريدة فأمدّ يدي للمرّة الثالثة ربّما، وأعيد تشغيل الأسطوانة نفسها. أشعر بأنني أعاني من مرض اسمه «الفراغ الداخلي» وأنّ الأسطوانة هذه ستشفيني بشكل أو بآخر.
أتناول كتاباً وأعود إلى القراءة أملاً بأن تتعب عيناي كي أستطيع الخلود إلى النوم باكراً. لا تنفع الأحرف الصغيرة في إغراء النوم كي يأتي. أضجر من الكتاب فأرميه وأتناول إحدى الروايات البوليسية.
الرابعة والنصف صباحاً، و«هيركول بوارو» لم يكتشف بعد من القاتل. سيطر التعب على أطرافي لكن جفوني لا تزال تقاوم.
يجتاحني النعاس فجأة، ككل ليلة، مع خيوط الشمس الأولى. فأجلس أمام النافذة لأشاهدها وأغلق عيني لبرهة وأحلم بقميص من اللون نفسه.