أحمد محسنكان مشهد الأمهات الواقفات أمام باحة سجن القبة موجعاً، خلال التمرّد الأخير. سألت إحداهن آنذاك، «هل مكتوب عليه إذا سُجن أن يموت حرقاً أو خنقاً؟» لم تقنعها إجابات رجال الأمن الذي حاولوا تهدئتها. من يجيب عن سؤال هذه المرأة الخائفة على ابنها؟ وتالياً، عن أسئلة العشرات الأخريات؟ اشتكى معظم من تحدثت منهن لـ«الأخبار»، عن سمعة السجون السيئة. تلك الأمهات اللواتي وقفن أمام ثكنة أنطوان عبيد في طرابلس منذ أسبوع، لسن وحيدات في قلقهن.
«يسمحون لنا بزيارته بـ«100 شرشحة»، تقول زوجة محمد ج. الذي انتقل من سجن تبنين (جنوباً)، الى السجن المركزي في رومية. محمد لا يستطيع المشي، بعدما فقد كلتا قدميه قبل دخول السجن. «يضعونه مع السجناء الآخرين رغم وضعه»، تردف زوجته بصوت مرتجف، وتؤكد خشيتها من وقوع أي حالة تمرد في السجن، قد يذهب زوجها ضحية لها، بسبب «ضعف بنيته الجسدية». تلفت الزوجة إلى أنها تتكبّد تكاليف مادية باهظة، حين تأتي لزيارة زوجها، ولا تفهم «لماذا نقلوه الى رومية»، بعدما كان قريباً منها في بلدة تبنين. تسكت قليلاً، ويأتي صوتها بعيداً عبر الهاتف، قبل أن تعلن: «شاهدنا الحرائق شمالاً ونشعر بالرعب على سير الأمور السيئة أصلاً».
لا تنفي زوجة محمد وجود بعض التساهل أخيراً، من ناحية نقل الأدوية، لكن لا شيء يبدّد خوفها من انفجار يقضّ مضاجع سجناء رومية، فتكرّر: «زوجي لا يستطيع المشي». رغم ثقتها بزوجها، تعتقد أنه في حال حصول أي إشكال أمني داخل السجن أن زوجها «رح ياكلها لا شعورياً»، نظراً لوجوده في المكان «المزدحم» مع السجناء العاديين. أسهمت محطات التلفزة ووسائل الاعلام بنقل أحداث القبة الى كل أقارب السجناء: يخشون تمرداً جديداً، قد تحجب القضبان أخباره.
«السجن المركزي يضيق بأكثر من 4 آلاف سجين، في مساحة تتسع لربعهم»، يقول والد أحد السجناء، ثم ينطلق في تخيّله لسير الأمور في الداخل: «من الطبيعي أن نتوقع أزمة داخل السجن»، برأي «أبو ربيع» (وهو اسم مستعار) أن ضيق المساحة كفيل بإحداث تمرد، «فضلاً عن الطعام السيئ والمعاملة السيئة». يستفيض «أبو ربيع» في الحديث عن ابنه، فيعترف بأن الأخير «قد يكون مشاغباً». يسكت قليلاً، ويردف بألم: «لكن ما يجري هناك ليس عدلاً». «آمل أن يخرج ابني تائباً فلا يضعوه في الدرجة نفسها مع السجناء الخطرين»، وهنا، يقرر أن ينهي المقابلة. «سأهرع الى السجن على قدمي» تصرخ أم حسن بانفعال شديد، وهي أم لسجين آخر. كان ذلك جواباً عن سؤال عن ردة فعلها في حال وقوع تمرد. وصفت السجن بـ«القبو»، وقبل أن تغلق الهاتف، أجهشت بالبكاء.