تُعدّ البدانة من «أمراض العصر»، وهي تشغل اهتمام المسؤولين عن القطاعات الصحية في الولايات المتحدة ودول أخرى. يعمل الباحثون على دراسة هرمونات الجينات التي تساعد بحل هذه المشكلة العالمية، أخيراً أثبتت تجارب مخبرية إمكان تناول أطعمة دسمة دون أن يؤدي ذلك إلى زيادة الوزن
غادة دندش
«الفئران التي تُحقن بهرمون دماغي طبيعي هو الـ Orexin لا يزداد وزنها بعد تناول كمّيات كبيرة من الأطعمة الدسمة خلال فترة طويلة من الوقت». هذا ما أثبتته التجارب التي أجراها فريق من الباحثين يترأسهم الدكتور ماساشي وانيجيزاوا البروفيسور في الجينيات الجزيئية في المركز الطبّي لجامعة تكساس في دالاس. هذا الخبر نشرته مجلة ScienceDaily أخيراً، أما الاستنتاج فهو نتاج أبحاث لا تزال، رغم أهميتها، في مراحلها الأولى. يقول الدكتور وانيجيزاوا إن الأوريكسين يزيد من حساسية الجسم وبالتحديد الدماغ تجاه هرمون النحافة أو الـ«ليبتين». والأوريكسين هو هرمون طبيعي من نوع الـ neuropeptide hormone تفرزه الخلايا الموجودة في الجزء الخلفي من غدّة الهيبوتالاموس الدماغية. وهناك نوعان منه، الأوريكسين «أ» و«ب»، ويتمحور دوره، ولا سيّما الـ Orexin B، بحسب التجارب الأخيرة التي سعت إلى دراسة الفروق بين النوعين، في رفع نشاط الدماغ والجهاز العصبي عامة. ويؤكّد وانيجيزاوا أن إيجاد طريقة لحقن الأوريكسين حتى يصل إلى الدماغ قد يكون العلاج النهائي لمرض البدانة وبعض الأمراض
الأخرى.
تكمن صعوبة الأمر في أن هذه المادة تدخل ضمن لائحة المواد التي لا يمكن أن تنتقل من الدم إلى الدماغ، لأن الحواجز الطبيعية التي تحمي الدماغ البشري لا تسمح لها «بالمرور»، لذا من غير المجدي تناول هذه المادة عبر الفم أو الحُقن على أنواعها.
في التجارب التي أجراها فريق الباحثين أُدخل الأوريكسين إلى الفئران عبر التلاعب بهندستها الجينية أو عبر حقنها مباشرة في الدماغ. لقد أدّى ذلك إلى محافظة هذه الفئران على وزنها الطبيعي بعدما خضعت إلى نظام غذائي غنيّ بالدهون، بينما ازداد وزن الفئران التي لم تُحقن بالأوريكسين دراماتيكياً بعد خضوعها إلى النظام الغذائي نفسه.
والسرّ في هذا التأثير يكمن في قدرة الأوريكسين على زيادة تجاوب الدماغ مع هرمون الـ Leptin الذي ينقل إلى «مركز الشهية» في الدماغ أو الـ Ventromedial nucleus، الموجود في الهيبوتلاموس بالتحديد، أن الجسم قد نال كفايته من الطعام. وهذا واحد من أدوار الـ«ليبتين» الموجود في الخلايا الدهنية، وفي الكروموزوم السابع لدى الإنسان الذي يضبط مدخول الطاقة إلى الجسم واستهلاك هذا الأخير لها، وذلك بمختلف أشكالها ومن ضمنها الشهيّة والأيض أو الـ metabolism.



لقد أظهرت الفئران المشبعة بالأوريكسين قدرة على حرق الدهون بسرعة تفوق سرعة الفئران العادية بنسبة 20%. وقد أكّد وانيجيزاوا أن الأشخاص الذين يعانون من البدانة لا ينقصهم الـ«ليبتين» بل على العكس لديهم أطنان منه في الدم، لكن أدمغتهم لا تلاحظ وجوده أو تلتقط رسائله. وقد أظهرت الفحوص المخبرية التي أُجريت لعيّنات من دم الفئران المشبعة بالأوريكسين أن نسبة الـ«ليبتين» الموجودة فيها أقلّ بكثير من نسبتها في دماء الفئران العادية، وهذا يعني أن الـ«ليبتين» لدى المجموعة الأولى يقوم بدوره، الناقل إلى الدماغ رسالة ضبط الشهية، بشكل أفضل.
إن الهدف من هذه الأبحاث المستمرّة، كما يؤكّد أعضاء الفريق، إيجاد مادة كيميائية أو مجموعة من المواد معادلة للأوريكسين الطبيعي وقابلة للانتقال عبر الحواجز الحامية للدماغ البشري وقادرة على التفاعل مع متلقّيات الأوريكسين أي الـ receptors، وذلك من أجل معالجة نقص تجاوب الدماغ مع هرمون النحافة لدى من يعانون من البدانة. ويؤكّد وانيجيزاوا أن الفئران المشبعة بالأوريكسين لم تعان من أية آثار جانبية في قدرتها على النوم أو في نشاطها المعتاد طوال فترة التجربة وبعدها. لكن الفريق الطبّي لا يتوقع التوصّل إلى تصنيع مادّة كيميائية آمنة ودقيقة المفعول وقابلة إلى الاستهلاك البشري عبر الحبوب أو الحُقن العضلية أو الجلدية أو غيرها قبل خمس سنوات على أقلّ تقدير.
أمّا وانيجيزاوا فيضيف أن تحقيق هذا الهدف لن يساعد فقط في معالجة البدانة جذرياً بل إنه سوف يساهم مساهمة جوهرية في علاج مرض الـ Narcolepsy أي التعب الشديد الذي يؤدّي إلى النوم خلال أوقات غير مألوفة أي خلال العمل أو التنقّل، بينما يمنع المصابين به من النوم خلال ساعات الليل.
هذا المرض المرتبط وجوده بنقص الأوريكسين الطبيعي في جسم الإنسان سوف يختفي مع ازدياد نسبة هذا الأخير في الدم.
يأمل وانيجيزاوا أن تتمكّن المواد المعادلة للأوريكسين، مع مرور الوقت، من مساعدة الناس على أن يتمتّعوا بنشاط ذهنيّ وجسديّ أكبر وبوزن طبيعيّ وصحيّ.