كيف يعيش الرجل تجربة الأبوة؟ كيف يستقبل المولود الأول؟ كيف تتطوّر علاقته بطفله وتزداد صلابة؟ وما الذي تضيفه تجربة الأبوة إلى شخصية الرجل؟ الأهم ثمة أسئلة تطال دور الأب وتحققه من خلال الإنجاب في مجتمع ذكوري، المجتمع العربي حيث الابن هو ضمان استمرارية الأب

جانا رحال
لا يعرف فراس الحركة (30 سنة) كيف يصف شعوره عند معرفته بأنه سيصبح أباً، يفكر كثيراً ثم يكون إنه القلق، يفسّر «قلقت لأنني أجهل ما على الأب فعله، قلقت لأن شخصاً جديداً سينضم إلى العائلة، ويغير كل شيء ويغيرني أيضاً». بدأ فراس بالتحضير لقدوم ابنته «مريم» بقراءة العديد من الكتب وتصفح مواقع الإنترنت الخاصة بالولادة وكيفية التعامل مع الطفل. يؤكد أنه «عند قدوم ابنتي واجهت بعض المشاكل المتوقعة معها، تغيرت كل عاداتي التي كنت أقوم بها، تغيرت بسبب وجود طفلة في البيت، مثل أوقات الطعام والمنامة».
القلق من قدوم مولود جديد تحوّل بعد ولادة مريم إلى قلق عليها «كان لدي خوف رهيب من تعرض ابنتي للخطر، لذلك حرصت على تغيير العديد من الأشياء داخل المنزل، استبدلت طاولات الزجاج بأخرى بلاستيكية، وأغلقت فتحات الكهرباء وثبّتّ الأبواب... كلها كانت أشياء جديدة، لكنها جميلة جعلتني أساهم في التعرف على ابنتي التي دخلت غريبة وأصبحت محور حياتي».
يشرح المتخصص في علم النفس الدكتور عباس مكي أن الشعور والإحساس بالقادم الجديد يختلف وقعه على الأب عن الأم «إن شعور الأب هو مكمل لشعور الأم، شعوره يأخذ طابعاً اجتماعياً أكثر، فتُبنى العلاقة بين الأب والولد على أساس اجتماعي»، ويضيف مكي أن الأب يحقق ذاته ويشبع نرجسيته بأن نسله سيستمر. كما أنه يعزز انخراطه في المجتمع عبر نسله وحل مسألة الإرث إذا كان المولود صبياً». ويشدد مكي على أن دور الأم لا يكفي في حياة المولود الجديد، فالأب يجب أن يكون موجوداً ويلعب دوره في توثيق علاقته مع المولود الجديد وإعطائه الحب اللازم والمساعدة في رعايته. «تزداد علاقة الأب بالمولود صلابة كلما كبر الابن، فكلما كانا قريبين بعضهما من الآخر كلما ثبتت علاقتهما وتفاهما لاحقاً».
صارت مريم بالنسبة لأبيها فراس محور حياته الجديدة، حيث كان يشدد على وجوده في حياتها في كل صغيرة وكبيرة. «في الأشهر الأولى لم تقم بحركات مهمة، فكنت أراقبها كثيراً، رغم أني كنت أولي الأهمية لزوجتي آنذاك، لكن مع مرور الوقت كبر اهتمامي بها وأصبحت أقرب إلى ابنتي». يكمل فراس «أن مرحلة الزحف هي أكثر المراحل المضحكة، والمهمة بالنسبة لي، إذ إن مريم كانت تحاول اللحاق بكل من يمشي فكنت أشعر وكأنها ظلي الذي لا يتركني».
يلفت مكي إلى أن علاقة الأم مع طفلها والدور الذي تلعبه في حياته ينبعث من غريزتها التي تعرف من خلالها كيفية التصرف مع المولود جيداً وبإتقان. بينما الأب لا شعور غريزياً لديه وهو عادة يخاف من التعامل مع المولود لأنه لا يجيد ذلك «لا يملك مهارة الحضن».
شعر محمد أيوب (32 سنة) بفرح كبير لدى سماع خبر حمل زوجته، لكنه ما لبث أن تحوّل شعور الفرح إلى خوف، «لم أتقرّب أبداً من طارق عندما ولد، لكنني كنت أراقبه من بعيد»، لم يجد محمد تفسيراً لتصرفه، لكنه يلفت: «عندما بدأ يزحف ويلحق بي أصبحت أشعر به وبوجوده في المنزل، شعرت كأنه يكلمني، وصرت أقترب منه وزاد تعلقي به وصار يحوز كل اهتمامي». صار محمد ينتظر بفارغ الصبر أن ينتهي دوام العمل، ليهرع إلى البيت ويلاقي طارق ويلعب معه «صار يركض إليّ مساءً لينام في حضني، وذلك أعطاني شعوراً بالفخر والراحة لأنني استطعت التغلب على خوفي الأول من الأبوة».
يشير مكي إلى أن علاقة الأب مع المولود الجديد تتأثر بتاريخه الشخصي وبمرحلة طفولته، وبتجربته مع أمه «أحياناً يعيد المولود الصغير الأب إلى ذاكرته حين كان طفلاً في حضن أمه، فيتصرف مع المولود على ضوء تجربته، لكن سرعان ما يتدارك الأمر». يقول مكي إن هناك حالات أخرى، حيث يفرح فيها الآباء كثيراً بالمواليد الجدد، يبدون كأنهم حصلوا على جائزة لا تقدر بثمن، فيرتاحون ويطمئنون ويقومون بمسؤوليات اجتماعية لتأمين حياة الولد ومتطلباته.
اندهش طلال بشير (29 سنة) عند قدوم ولده بشير فحاول مساعدة زوجته في تأمين كل ما له علاقة بالطفل وتحضيره. «كنت أقلق عليه كثيراً لدرجة أنه إذا أصدر صوت السّعال، آخذه عند الطبيب، وزوجتي كانت تقول دائماً لا داعي لذلك لكنني كنت أصر ليطمئن قلبي». لا يصدق طلال أنه صار أباً رغم أن ابنه أطفأ شمعته الأولى «بعد العمل آتي إليه وأكلمه وأسأله إن كان قد اشتاق إلي، أكلمه دائماً وكأنه يفهمني جيداً. كما أني أحب أن أطعمه وأجعله يستحم». لم يدرك طلال أن الأبوة شيء عظيم وقوي إلا عندما أصبح أباً، «هذه السنة هي الأجمل والأروع في حياتي».


مقارنة مع الأمومة

حب الأب للولد يظهر كثيراً، وقد يفوق ما تُظهره الأم، هذا لا يعني أن حبهما له غير متساوٍ، لكن حب الأم شيء مفروغ منه، ينبعث من غريزتها، إنه جزء من تكوينها. أما حب الأب فإنه لا ينبع من الغريزة بل يكتسبه مع الوقت، ومن المجتمع، لأن الرجل يحقق ذاته في المجتمعات الأبوية من خلال الإنجاب. يشرح مكي أن الأب يحمل مسؤولية معنوية ومادية تجاه المولود، وهي مسؤوليات نابعة منه ومن توزيع الأدوار. فالأب يجب أن يؤمن الراحة في المنزل ويؤمن كل متطلبات زوجته، لأن ذلك ينعكس على علاقتهما وبالتالي على علاقتهما معاً بالطفل.
أخيراً، نلفت إلى أن هناك رجالاً لا يحتملون اهتمام زوجاتهم بالطفل، وخاصة إذاً جرى تجاهل الأب لمصلحة الابن، هكذا يبتعد الأب عن الطفل ويقسو عليه، وهذا يكون نابعاً من الغيرة على زوجته