لا يجوز أن يبقى أي مواطن بلا دفاع، أو تمثيل، أمام المحكمة، فالقانون اللبناني يكفل حق التمثيل في المحاكمة للجميع. لا يقصد بهذا الحق تعيين محام وكيل للدفاع عن المدّعى عليه فقط؛ بل محامٍ للشخص المدعّي أيضاً. بيد أن ثقة الناس بالمحامين تتبدد أحياناً، فما الأسباب؟
ماجدة سبيتي
ألزم القانون طرفي المحاكمة (المدّعين والمدّعى عليهم) بالحصول على محامين في الدعاوى التي تتجاوز قيمتها الثلاثمئة ليرة لبنانية، وذلك وفي إشارة قانونية لافتة، للأهمية الكبيرة التي أولاها القانون إلى المحامي بصفته ممثلاً للشعب أمام القضاء. وفقاً لهذه الأسس القانونية، تتضح الهوية المناسبة للمحامي بصفته مدافعاً عن حقوق الشعب، فيمكن أن يكون الأخير حامياً لمن يدعي وجود حق له (أي صاحب الشكوى)، أو مدافعاً عن مدعى عليه بهدف إثبات عكس ما يدعيه المدعي. لكن أمام هذه المساحة القانونية الواسعة، وعلى الرغم من أن بعض المواطنين يرون في الوكيل (المحامي) صمام أمان في الصرح القضائي إزاء عدم معرفتهم بالشؤون القانونية بوضوح، فإن جزءاً كبيراً منهم يخشى احتمال «إساءة أمانة» من جانب محاميه. لا يعني ذلك أن سمعة المحاماة سيئة في لبنان، إلا أنه يؤشر إلى تأرجح في ثقة المواطنين بالمحاكم القضائية، تسببه بعض التجاوزات من بعض المحامين. وفي هذا الإطار، لفت بعض المواطنين ممن التقتهم «الأخبار» إلى سلوك ملتوٍ من بعض المحامين، بغرض تحقيق مكاسب مادية من جهة، أو نتيجة تقاعس في أداء الواجبات القضائية اتجاه موكله (أو موكلها أو موكلهم) من جهة أخرى. ويتنامى هاجس الثقة عند المواطنين بالتزامن مع تزايد أعداد المحامين، وسريان الشائعات عن أساليب بعض المحامين، لا تقبل عقول الناس تصنيفها على أنها أساليب شرعية. الناس يسمعون عن «الواسطة» والمحسوبيات، فيخشون القضاء وجسده (بمن فيهم المحامون) أحياناً.
في بعض الأحيان، «تصبح الشكاوى صوريةً، لإخلال الوكيل بالأمانة المولج احترامها»، كما لفت أحد المواطنين. اذ قام المحامي بتحصيل مبلغ من المال لمصلحة موكّله، وبدلاً من أن يعطيه الأمانة، احتفظ بها لنفسه! هذا على سبيل المثال، فقد حدث «أن المحامي لم يُعد المستندات المتعلقة بالقضية» إلى موكله المذكور. وهنا، لا بد من الإشارة، إلى العديد من ممارسات المحامين، التي تحدّث عنها بعض المواطنين، كالتخلّف عن حضور الجلسات بإرسال تقرير بمرض الموكل (كحجة لعدم حضور الجلسة) أو إبراز شيك بدون رصيد، وغيرها من الممارسات التي تطعن بالقسم الذي أداه المحامي قبيل ممارسته المهنة، والذي يُقسم فيه بالمحافظة على سر المهنة وآدابها وتقاليدها، والتقيد بقوانينها وأنظمتها. يقسم المحامون أيضاً أن لا يقولوا ما يخالف الأخلاق والآداب ويخل بأمن الدولة واحترام القضاء.
وفي سياق مواز، روى أحد المواطنين: «أوكلت محامياً في قضية دفع الإيجار؛ فقام وكيلي بإنذار المستأجر لدفع الإيجار لأن عدم دفع المبلغ يترتب عليه فسخ العقد». عندها «تواطأ المحامي مع المستأجر على إخفاء الإنذار (كشرط ضروري للإخلاء)، وبهذا يكون قد قبض مني ومن المستأجر». رأى المواطن أن هذه الحالة شائعة بين الناس. وفي هذا الصدد، نصت المادة 90 من قانون تنظيم مهنة المحاماة على أنه «لا يجوز للمحامي أن يقبل الوكالة عن خصم موكله، أو أن يبدي له أية معونة ولو على سبيل الرأي في الدعوى التي سبق له أن قبل الوكالة فيها أو في دعوى ذات علاقة بها ولو بعد انتهاء وكالته». المشكلة إذاً ليست في القانون، بل في بعض التجاوزات. فقانون تنظيم مهنة المحاماة ونظام الآداب المهنية في النقابة، يذهبان أبعد من ذلك، ويرعيان قضية مساءلة المحامي، أما النظر في الشكاوى المقدمة من المواطنين، فيصار إلى إجراء التحقيق فيها، بواسطة من ينتدبه النقيب من أعضاء مجلس النقابة. حينها، يضع العضو تقريراً موضوعياً عما حصل ويرفعه إلى النقيب، الذي يحيله بدوره على المجلس التأديبي. وقد نصت المادة 110 من قانون تنظيم المهنة على أن كل محامٍ عاملاً كان أو متدرجاً يخل بواجبات مهنته المعينة، أو يسلك مسلكاً لا يأتلف وكرامتها يتعرض لعقوبات تأديبية. أولى هذه العقوبات هي التنبية، يليها اللوم، وقد تصل العقوبة إلى المنع من مزاولة المهنة مدة لا تتجاوز الثلاث سنوات أو الشطب من جدول النقابة. وفي مثل هذه الحالة لا تستطيع النيابة العامة محاكمة المحامي قبل أن تحيل القضايا على النقابة، لأنه يتمتع قانونياً بحصانة قضائية.
إذاً، تأخذ النيابة العامة الإذن من النقابة، التي تقوم بدورها بإجراء محضر مسلكي تحيله على المجلس التأديبي، ولا سيما أن جلسات المجلس سرية وقراراته لا تنشر. ولهذه الأسباب تحفّظ مفوّض قصر العدل عن ذكر أعداد المحامين الذين شطبوا من جدول النقابة، باعتبار أن العلنية تقف عند حدود المجلس التأديبي وكل ما يختص به تولّفه السرية التامة.


بطء أو تباطؤ