إيلي شلهوبيبدو أن التوتّر تحوّل سمة ملازمة لعاصمتي الاعتدال العربي. شبح إيران يؤرّقهما. بات أكثر وطأة هذه الأيام من ذي قبل، وكيف لا، وأيادي الفرس تعبث بالقضية الأم، التي بنى حكام العرب أمجادهم على حسابها، وباراك أوباما يمد الجسور مع طهران، في محاولة للتكفير عن خطايا جورج بوش. حال القاهرة تبدو أكثر سوءاً. «أمنها القومي» على المحك. غزة بالنسبة إليها ليست ملعباً ثانوياً. وكذلك الأمر بالنسبة لـ«حماس» وامتداداتها الإخوانية في الداخل المصري. خالد مشعل في سوريا وضع يمكنها تحمّله. أما أن يتغلغل في أحضان إيران، ومنها يُعلن نيته تحرير فلسطين كاملة، فأمر بحاجة لإعادة النظر.
محاولة استعادة مصر لاحتكارها الملف الفلسطيني تبدو دونها عقبات، رغم الرعاية العربية والدولية. مفاوضات القاهرة تلامس الفشل، إن في ملف التهدئة أو في ملف المصالحة. حصانها الفلسطيني، محمود عباس، بات غارقاً في إفلاسه السياسي والشعبي، ومع ذلك يبدو أكثر فجوراً مما كان عليه قبل العدوان الأخير على غزة. وهو يراهن على الدولارات السعودية في نزاعه لمصادرة إعادة الإعمار، منعاً لاستخدام «حماس» اليوروهات الفارسية.
«ثنائي غير مرح» محكوم بتركيبة المعادلة الفلسطينية. يجاهد لتعويم أبو مازن وسلطته، ومعهما المنظمة العتيدة، وإنزال الهزيمة بالطرف الآخر. تصويبه باتجاه طهران يبدو في هذا السياق أمراً محورياً، والتهمة تحقيق «أطماع إقليمية عبر التستر وراء دعم العرب والمسلمين».
وفي هذا وذاك غباء محقّق. جمهورية رام الله تجاوزت مع عدوان غزة عتبة اللاعودة عن سقوطها المحتم، وأضحت «حماس» رقما صعباً في التركيبة يصعب تجاوزه. ومهاجمة إيران لمطالبتها بوضع حد للعدوان وفك الحصار وفتح المعابر إنما هو هدف أحمق لإطلاق النار ترتد رصاصاته على مطلقها. تكتيك يحاكي ما فعلته السعودية ومصر مع حزب الله في لبنان، ونتيجته قد تكون مشابهة: مزيد من الالتفاف الشعبي حول «حماس» ومزيد من النفوذ لإيران، التي كان الأولى المزايدة عليها وليس العكس.
الغزل السعودي لتركيا ربما يكون الخطوة الأكثر ذكاءً في هذا الإطار. دولة سنّية إقليمية تعزف على وتر الشارع العربي. يريدونها نموذجاً بديلاً لإيران.
تبقى معرفة إن كانت أنقرة معنية بتوزيع قطعة الحلوى هذه.