في قرى جنوبي الليطاني المتعايشة مع وجود قوات الطوارئ الدولية، صار اللجوء الى أطباء اليونيفيل ووصفاتهم وأدويتهم المستوردة، بمثابة «آخر الدواء»، نظراً لغياب وزارة الصحة العامة الوطنية، وشح موارد مراكزها، هذا إن وجدت. إلّا أن خير الطب الأممي هو الآخر أيضاً لا يدوم، وقد يحيل صحة الجنوبيين «على الله»، كما هو متوقع إثر قرار الكتيبة البلجيكية إقفال مستشفاها الميداني في تبنين نهاية الجاري
صور ــ آمال خليل
يضع الجنوبيون المقيمون في تبنين وجوارها أيديهم على قلوبهم وصحتهم وجيوبهم مع قرب نهاية الشهر الجاري، التاريخ الذي حددته الحكومة البلجيكية موعداً نهائياً لإقفال المستشفى الميداني التابع لها. وعليه، فإن القائمين على عمل المستشفى سوف يتوقفون عن استقبال الحالات المرضية الصعبة أو التي تحتاج إلى متابعة طويلة بدءاً من منتصف الشهر الجاري، فيما تتوقف الاستشارات والخدمات الطبية توقّفاً تامّاً بدءاً من الأسبوع الأول من شهر آذار المقبل.
يبقى لسكان قرى قضاء صور بعد إقفال المستشفى البلجيكي التحول إلى الوحدتين الكورية والإيطالية خصوصاً، بسبب التقديمات الطبية التي توفّرانها للمواطنين في قرى عملهما وفق برنامج عمل أسبوعي تنفذانه، إما في مراكز البلديات أو في مستوصفاتهما إذا وجدت.
الإيطاليون منذ ما بعد عدوان تموز، شرعوا في تقديم المعاينات المجانية والاستشفائية مجّاناً في القرى الواقعة في القطاع الغربي ضمن منطقة عملهم: مثل يانوح وبدياس ومعركة، حيث يعاين الضباط الأطباء، المواطنين في مستوصفاتهم مجاناً. إلا أنهم وسّعوا من دائرة تقديماتهم لتشمل إجراء عمليات جراحية في لبنان وإيطاليا على نفقة حكومتهم، كان آخرها إجراء عملية قلبية في إيطاليا لفتى فلسطيني من مخيم الرشيدية خلال الصيف الماضي.
أما الأتراك، فإنهم باتوا مقصداً في القرى المحيطة ببلدة الشعيتية (قضاء صور) حيث يقع مقرهم، للعلاج من الحروق ولسعات الحشرات خصوصاً، واستقبال الحالات الطارئة قبل إحالتها على مستشفيات المنطقة إذا دعت الحاجة.
من جهته، يوزع الفريق الطبي التابع للوحدة الكورية والمؤلف من ثلاثة ضباط أطباء وممرضتين وبيطري، نشاطه على القرى الخمس الواقعة ضمن منطقة عملها (شبريحا والبرغلية وطيردبا وبرج رحال والعباسية) ليوم واحد في الأسبوع في كل منها ويوفر المعاينات الطبية في الطب الداخلي وتجبير العظام وطب الأطفال. وفي ما خص البيطرة، فإن ندرة البيطريين في المنطقة، إضافةً إلى الكلفة العالية لعلاج الحيوانات التي يتكبّدها المزارع على نفقته الخاصة بغياب دعم وزارة الزراعة، زادتا الطلب على البيطري الكوري الذي عاين حتى بداية الشهر الفائت بحسب إحصاءات الكتيبة ألفاً ومئة وأربعين حيواناً في البلدات الخمس.
ومنذ شهرين، أدرج الفريق الطبي تلاميذ مدارس تلك القرى الرسمية والخاصة على لائحة مرضاه. ومن المقرر أن تحتفل الوحدة بعشرة آلاف مريض عالجتهم منذ بداية عملها في الجنوب في تموز 2007، في احتفال خاص تقيمه في مقرها خلال الشهر الجاري.
وقال الرائد هان يونغ من القسم الإعلامي في الوحدة الكورية «للأخبار» إن الوحدة الآن «بصدد إجراء عملية جراحية في قرنية العين لمريض من بلدة طيردبا في نيسان المقبل، وذلك في أحد المستشفيات اللبنانية على نفقتنا الخاصة». ولكن هل هناك ميزانية لمساعدة اللبنانيين طبياً بما يتعدى العلاج المجاني بواسطة أطباء الوحدة أو مستشفياتها؟ ينفي الرجل قائلاً إن هذه الحالات استثنائية. أما الأدوية «فإننا نؤمّنها مجاناً من كوريا ولبنان مراعين الأنواع المستجدة وفق الأمراض التي نشخصها»، كاشفاً أن «كل فريق طبي يرفع تقريراً بالأمراض ويرسله إلى كوريا لتوفير أدوات علاجها وإرسالها مع الفريق الطبي الجديد الوافد إلى لبنان».
يقر رئيس بلدية البرغلية مصطفى الداوود بأنه رغم أن تقديمات الكوريين الطبية «لا تلغي دخول سكان البلدة الفقراء عند الحاجة إلى المستشفى، إلّا أنها توفر عليهم في كثير من الأحيان أكلاف الدواء والمعاينات والفحص الأولي. وتزداد أهمية التقديمات بغياب البديل، حين لا يكون هناك مستوصف في البلدة التي يحتاج سكانها إلى قطع كيلومترات عدة حتى صور حيث أقرب مركز صحي؛ فيما تفتقد البلدة سيارة إسعاف حديثة ومجهزة لنقل المرضى والحالات الطارئة، وخصوصاً أن الأطباء المتخصصين من أبنائها لا يقيمون فيها بل في المدن أو في المهجر».
إشارة إلى أن المستشفيات الحكومية هي الأخرى، تعتمد في شحذ هممها على خيرات الأممين، مثل تأهيل أقسام في مستشفيَي صور وتبنين الحكوميين، وتشغيلها بتمويل من الإيطاليين. فيما من المقرر أن تمنح الحكومة البلجيكية أربعة ملايين دولار لاستكمال تجهيز مستشفى تبنين وتشغيله خلال الأشهر المقبلة بموجب اتفاقية بين وزارتي الصحة في البلدين.
وبشأن التنسيق بين الوزارة ووحدات اليونيفيل في التقديمات الطبية؟ يؤكد مصدر مسؤول في وحدة الارتباط الصحي بين الطوارئ الدولية والجيش اللبناني أن «لا تنسيق بتاتاً. فالوحدات لم تبادر قطّ للاتصال بوزارة الصحة، إلا عند تقديم مساعدات إلى أحد المستشفيات أو المستوصفات التابعة لها». وعزا السبب في ذلك إلى انتفاء الحاجة، كاشفاً أن «القائمين على قسم الشؤون الاجتماعية والإنسانية في وحدات اليونيفيل على اختلافها يعملون وفق السياسات المتبعة في بلدانهم، التي تقوم على أن رئيس البلدية هو صاحب السلطة الأعلى، وبالتالي يجب التعاون معه في هذه المجالات ضمن نطاق بلدته، لكونه الأقدر على تولي صلة الوصل بينهم وبين الفئة المستهدفة في تقديم خدماتهم أي الأهالي».