منخفضة الكلفة، اقتصادية، معمّرة وصديقة للبيئة. هي ليست سيارة جديدة، إنما الصمامات الإلكترونية التي تمكّن من تطويرها باحثون في مختبرات جامعة كامبريدج البريطانية، الذين يضعون مدة سنتين، حداً أقصى، حتى يغزو هذا الإنجاز المتعدّد التطبيقات الأسواق العالمية.
روني عبد النور
تمكّن باحثون بريطانيون من وضع الثورة المقبلة في عالم الإنارة على نار حامية، بعد الانتهاء من تطوير مصدر إنارة يعتمد في عمله على الصمامات الإلكترونية الثنائية المصدّرة للضوء والمعروفة بالـ«Light Emitting Diodes-LED». وتتميّز الصمامات المطوّرة بانخفاض ثمنها وبقدرتها الفائقة على توفير الإنارة دون حاجة إلى استهلاك مفرط للكهرباء. تصنيع هذه الصمامات يرتكز على نيتريد الغاليوم، وهي مادة شبه موصلة، مستخدمة أصلاً في الصمامات المصدرة للضوء الموجودة في مروحة واسعة من المنتجات الإلكترونية، مثل: الهواتف الخلوية، آلات التصوير وزينة الميلاد، إضافة إلى وسائل إضاءة الباصات والقطارات والطائرات. ويأتي هذا الإنجاز بعد التمكّن من حلّ معضلة ارتفاع كلفة التصنيع التي أرخت بظلالها على هذا الابتكار منذ تسعينيات القرن الماضي، لكون العملية اعتمدت طوال تلك الفترة على رقاقات الصفّير. لكن الباحثين في كامبريدج تمكّنوا من استبدال هذه الرقاقات برقاقات السليكون، وبالتالي من خفض كلفة الإنتاج بواقع 10 أضعاف.
يقول البروفسور كولين هامفريز، قائد فريق البحث، إن هذا الإنجاز يمكّن من توفير حاجات الإضاءة في المستقبل، ويضيف: «بتنا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق صمامات عالية الفعالية ومنخفضة السعر لتأخذ مكان المصابيح التقليدية والمصابيح الصديقة للبيئة الحالية».
وتكمن ميزة هذه الصمامات في القدرة على التعمير نحو 60 عاماً. فهي تعمل بفعالية لمدة 100,000 ساعة تشغيل، أي عشرة أضعاف مدة تعمير المصابيح الصديقة للبيئة. وهي، رغم حجمها الصغير، تتمتّع بفاعلية تتخطى فاعلية مصابيح التونغستين التقليدية باثني عشر ضعفاً، وفعالية مصابيح النيون بثلاثة أضعاف، الأمر الذي يبشّر بخفض تكلفة الإضاءة المنزلية بواقع ثلاثة أرباع التكلفة الحالية.
وتتميّز الصمامات الجديدة بعدم احتوائها على الزئبق وبعدم إصدارها للأشعة التي تُنسب إليها حالات الشقيقة والصرع. كذلك، فإنها تعد بالحدّ من انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون بواقع يفوق قدرة المصابيح الصديقة للبيئة بثمانية أضعاف. أضف إلى ذلك قدرتها على الإضاءة الفورية وتوفير إمكان التلاعب بدرجة قوة الضوء الصادر منها. معروف أن الصمامات الثنائية هي أجهزة شبه موصلة تصدر الضوء لدى شحنها بالكهرباء. وفيما صمامات نيتريد الغاليوم صُنّعت للمرة الأولى قبل ما يزيد على 30 عاماً، إلا أنها لم تدخل عالم التطبيقات العملية إلا قبل 10 أعوام فقط. أما الصمامات التي طُوّرت في كامبريدج، فهي تصدر ضوءاً أزرق أو أخضر، لكن تتم الاستعانة بغشاء من الفوسفور لإعطاء الضوء لوناً أبيض مألوفاً.



تجدر الإشارة، إلى أن الأبحاث في كامبريدج تتزامن مع أبحاث أخرى تطال إمكان محاكاة أشعة الشمس بواسطة الضوء الصادر عن هذه الصمامات لمساعدة المصابين بالاضطرابات العاطفية الموسمية، وهي نوع من الكآبة التي تلي تتابع الفصول وتُعزى إلى التغييرات في كمية أشعة الشمس بين فصل وآخر. فضلاً عن أن الشعاع ما فوق البنفسجي الصادر عن الضوء المطوّر يمكن أن يساعد في تحديد مكان انتشار الأورام السرطانية وفي تمكين المستشفيات من محاربة الجراثيم المنتشرة فيها، إضافة إلى اضطلاعه بدور في تنقية المياه من الشوائب والسيطرة على انتشار الأوبئة في البلدان النامية.
كيف؟
بالنسبة إلى الأمراض السرطانية، معلوم أنه من الصعوبة بمكان حالياً اكتشاف نقطة توقّف امتداد الورم الخبيث. لذلك، يتعيّن على المرضى الذين يخضعون لجراحات استئصال الأورام، أن يبقوا مخدّرين ريثما تُؤخذ العيّنات الخلوية كي تفحص في المختبر لمعرفة ما إذا كانت سليمة أم لا. وهو الأمر الذي قد يحتاج إجراؤه إلى عدة محاولات خلال العملية الجراحية الواحدة، ما يطيل أمدها لساعات طويلة. لكن، في المستقبل، وبواسطة الضوء الجديد، يمكن إعطاء المرضى أدوية غير مؤذية تلتصق بالخلايا السرطانية التي يتم تحديدها بتسليط الضوء الأزرق عليها. وهكذا يتمكّن الطبيب الجراح من تحديد حجم الورم بسرعة ودقة لافتتين.
أما في ما يتعلق بالمستشفيات، فيبشّر الضوء الجديد، إذا جرى تسليط الشعاع ما فوق البنفسجي الناتج منه على جدرانها، بالقضاء على الجراثيم الموجودة عليها، وبالتالي قتل الفيروسات والبكتيريا، علّ ذلك يساعد على مكافحة البكتيريا المعروفة بالعنقوديات الذهبية المقاومة للمتيثيلين MRSA وبكتيريا C Difficile المنتشرة فيها بكثرة. وأخيراً، يُؤمل أن يحدث الضوء ثورة في عالم المياه الصالحة للشرب وتوفيرها في البلدان التي تعاني شحّاً في المصادر المائية. فبإضافة الألمنيوم إلى نيتريد الغاليوم، يمكن إصدار ضوء ما فوق بنفسجي وتوجيهه داخل أنابيب المياه لإبادة الأمراض والقضاء على البعوض والكائنات المؤذية الأخرى.