Strong>غسان سعودما إن طلبنا من مستشاره خلدون الشريف لقاء «الأفندي»، حتّى رتّب لنا موعداً معه في منزله في بيروت. هناك، يستقبل الرئيس عمر كرامي ضيوفه في منزل لا يختلف ديكوره كثيراً عن بيته الطرابلسي، علماً بأنّ الشقتين تبدوان متواضعتين جدّاً مقارنةً بشقق أصغر النواب الحاليين. رغم الثياب الرسمية التي يكثر كرامي ارتداءها في بيروت، على عكس ما يفعل في طرابلس، أخذ اللقاء طابعاً ودياً، إذ تكسر النكتة الهادئة لـ«أفندي طرابلس» حاجز الجليد بين جيلين.
يبدو كرامي منسجماً مع الأسئلة، يعرف كيف يتفاداها إن لامست أموراً شخصية يفضّل عدم التطرّق إليها. وكما يروي عنه أصدقاؤه، فحديثه المفضّل في معظم جلساته يدور حول الصيد والأبناء والأحفاد... وطرابلس. في المقابل، يتجنّب الغوص في الكلام عن استشهاد شقيقه الرئيس رشيد كرامي، أو عن تفاصيل سياسية يصنّفها في خانة الخصوصيّات.
منذ بداية حديث الساعتين حتى نهايته، تبدو طرابلس أكثر من مدينته المفضّلة. هي بالنسبة إليه مكانٌ «يصلح للحياة» لا يفارقه سواء في العمل السياسي أو في الحياة العائليّة أو في الروتين اليومي. على رغم الضغط الاجتماعي الناتج من الدور السياسي الكبير الذي أدّاه والده عبد الحميد كرامي، نجح عمر في أن يعيش طفولته في ظلّ «حفلة النضال الكاملة»، متنقّلاً بين الدراسة الابتدائية في «دار التربية والتعليم» ومنزل العائلة، حيث كان يتردّد بعض الأصدقاء. كان الوالد صارماً إلى حدِّ منعِ أبنائه من الذهاب إلى السينما، وهذا مثل بين أمثلة أخرى..
انتقلت العائلة إلى بيروت، مع تعيين كرامي الأب رئيساً للحكومة عام 1945. حينها، لم يكن الابن الثاني بعد رشيد قد أتمّ الثانية عشرة من عمره، وإذا به يجد نفسه في منزل من دون حديقة، وفي أجواء فائقة الرسميّة: «حتى الاحتكاك مع الناس» كان محكوماً بشروط. انتقل عمر حينها إلى مدرسة الـ«إنترناشونال كولدج» (I.C)، إحدى أهم المدارس البيروتيّة، لكنّه يصف تلك المرحلة بالمملّة رغم شغفه بالعاصمة حينذاك. ولا يجد محطات بارزة يجدر الوقوف عندها في تلك المرحلة باستثناء وفاة والده بسبب مرضٍ عضال في 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 1950.
بعد المدرسة، تعلّم في «الجامعة الأميركية» في بيروت، ثم انتقل إلى جامعة القاهرة حيث نال إجازة في الحقوق عام 1961، ليعود بعدها إلى طرابلس ويتسجّل في نقابة المحامين ويفتح مكتباً للمحاماة. غير أنّ المدرسة الكراميّة السياسية كانت أكثر تأثيراً فيه من المدرسة الحقوقية. هكذا شُغل عن المحاماة بالسياسة ــ وخصوصاً أن رشيد كان في عزِّ صعوده ويحتاج إلى المساعدة. تولى عمر حينها مسؤولية نائب رئيس «حزب التحرر العربي»، متفرغاً للاهتمام بشؤون الناس وتنظيم الحزب، فيما كان رشيد يخوض غمار السياسة. وسط ذلك كله، اغتيل رشيد فوجد عمر نفسه أمام الزعامة. دخل مرحلة جديدة استهلّها بسماعه عبر الراديو خبر تعيينه وزيراً للتربية والفنون الجميلة في تشرين الثاني نوفمبر) 1989. على رغم تواضع خبرته في مجال التربية، يقول كرامي إنّ أداءه كان جيداً لأنّ «السياسي والقانوني لا يواجه مشكلة، ويبقى واقفاً مهما تبدّلت الظروف، وخصوصاً إنْ أحسن اختيار المستشارين».
عيّن نائباً عام 1991، وحافظ على مقعده في المجلس النيابي لثلاث دورات متتالية. وعن تلك المرحلة يقول أصدقاؤه إنّه ثبت في الموقع الوطني، وفي رفض استعمال انتمائه الطائفي لتحقيق مصالح شخصيّة أو فئويّة. مواصلاً «النهج الأخلاقي» الذي أرساه رشيد كرامي في التعاطي السياسي. ويشير صديقه الوزير السابق ألبير منصور إلى أنّه ظل يحفظ ودَّ وزرائه في حكومته الأولى التي أسقطت في الشارع... وحين كلف رئاسة أول حكومة بعد التمديد لرئيس الجمهوريّة السابق إميل لحود، بادر إلى الاتصال بمعظم أولئك الوزراء لسؤالهم إن كانوا يرغبون في المشاركة. وإذ يقارن أصدقاء الشقيقين بينهما، ينتهون إلى التأكيد أن رشيد كان «مقاتلجي» فيما عمر أكثر هدوءاً.
وبعيداً عن السياسة التي يرى كرامي استقالته منها أمراً مستحيلاً «لأنها تجري في دمه»، يقول «الأفندي» إنّه لا يشعر أبداً ببلوغه الـ 74، فهو ما زال في عزّ نشاطه. هنا يلفت إلى أهميّة النوم، فهو ينام ثماني ساعات على الأقلّ يومياً، وإلا «فسيتعثر نهاره بالكامل». في اليوم العادي، يسمع الموسيقى صباحاً، ثم يمضي ثلاث ساعات في قراءة الصحف التي تحرمه مطالعة الكتب التي يحبّها ـــ وخصوصاً الشعر ـــ ثمّ يبدأ باستقبال الضيوف. لاحقاً، بعد نشرات الأخبار المسائيّة، يختار فيلماً، فهو يتتبع أخبار الفن السابع ولا يفوّت «فيلماً جيداً». وبعدما توقف عن ممارسة كرة المضرب، خفف أيضاً من رحلات الصيد، وبات يمارس الصيد البري في جرود الضنية وهو يستقلّ السيّارة، كما يواظب على الصيد البحري.
وكرامي، كما هو معروف في طرابلس، «مؤمن جداً وممارس لا يقطع فرضه»، يتنسّك في رمضان ويصلي التراويح، لكنّه يلتزم مبدأ «ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا».
عندما يصل الكلام إلى العائلة، يبدو الرئيس أكثر حناناً، ويتحدّث عن أحفاده بحماسة، وخصوصاً الصغار منهم. يقول إنّه لم «يورث أولاده إلّا الأخلاق والاستقامة». يكشف أنه اختار إدارة أعماله من المنزل، للبقاء في أحضان العائلة ومتابعة كل صغيرة وكبيرة في حياتها. لكل واحد من أبنائه منزله الخاص، فـ«لكل جيل حياته»، لكنّهم يمرّون لزيارته يومياً «ملتزمين الفرض ولو لدقيقتين». وعند السؤال عمّا سيورثه لابنه فيصل سياسياً، يسكت الزعيم الشمالي قليلاً، ثم يشير إلى أنّه سيورثه «المبادئ والثوابت والتزام الأخلاق في العمل أولاً وأخيراً. سأعطيه ما لم آخذه، فأنا أشجعه على المشاركة في الاجتماعات الحزبية التي لم أستطع حضورها قبل اغتيال رشيد، كي لا يستغرب شيئاً لاحقاً».
ويبقى سؤال: ما الذي تغير في المدينة التي ولد فيها منذ سبعة عقود؟ يقول عمر كرامي إن الأمور اختلفت كثيراً. فالناس «أصبحوا مثقفين، ولم يعد هناك «ابن عائلة»، أو فوارق شاسعة بين الناس». هل يُضعف ذلك الزعامات التقليدية؟ يجيب مع ابتسامة: «إذا كانت الزعامة قائمة على القوة والقهر، فلتضعف لا مأسوفاً عليها. لكنها بالنسبة إلينا، بعيدة كل البعد عن هذا التصوّر».
لعلّ الإنجاز الأهم في حياة عمر كرامي هو شبكة أصدقائه الواسعة، من كل الطبقات، ثبّتها منذ أيّام الدراسة... وتواصلت في المهنة ثم العمل في السياسة «التي تكشف معادن الناس جيِّداً». أمّا الإنجاز الثاني، فهو جامعة «المنار» التي بناها في طرابلس لأنّ «أهم ثروة هي العلم، ولأنني أؤمن أنّ بقاء الطالب في منزله إلى جانب أهله أمر فائق الأهميّة». وأخيراً ما زال الرجل ساهراً على استمراريّة مؤسسات والده: المستشفى الإسلامي والميتم وكلية التربية والتعليم.
الرئيس عمر كرامي يكسر أي فكرة مسبّقة عنه، فهو لم يستسلم لدوامة الألم التي تحاصر حكماً من فقد والده باكراً، ثم خسر شقيقه في جريمة بشعة... ولا يلمس المحاور لديه أثراً لأي مرارة، لخيبة من لم يُسمَح له بأن يحكم.


5 تواريخ

1935
الولادة في طرابلس

1961
أنهى دراسة الحقوق وافتتح مكتباً في طرابلس

1991
عين نائباً، ثم انتخب في دورات 1992، 1996، 2000، ولم يترشح عام 2005

2004
عين رئيساً للحكومة واستقال إثر اغتيال رفيق الحريري نتيجة تأثره بكلمة النائبة شقيقة الرئيس الراحل بهية الحريري، وكان قد استقال إثر تأليف حكومته الأولى عام 1990 نتيجة ضغط الشارع مفسحاً المجال أمام وصول الحريري إلى الحكم

2009
لم يحسم بعد خوضه الانتخابات شخصياً أو ترشيح ابنه فيصل