علاء اللامي *سيوفر هذا المشروع في حال تحققه للشعب الفلسطيني وقواه المقاومة والمدافعة عن حقوقه الوطنية المشروعة، وأوّلها حقه في الوجود وتقرير المصير في دولة مستقلة عاصمتها القدس، سيوفر له ركيزة سياسية واقتصادية ذات أبعاد تاريخية واستراتيجية؛ فهو من جهة يمثل غطاءً مهماً للأداء السياسي الفلسطيني في مواجهة إسرائيل وحلفائها الغربيين والعرب، وهو ثانياً يحمي نضالات ونشاطات هذا الشعب وقياداته الوطنية من الهيمنة الإقليمية، وخصوصاً المصرية والسعودية.
كما إنه ـــــ من جهة أخرى ـــــ سيتحول وبمرور الوقت والأداء الحصيف الناجع إلى قوة ضغط إقليمية يحسب حسابها من قبل دولة إسرائيل، وحلفائها الغربيين والعرب، في أية صفقة سيحاولون فرضها على هذا الشعب بهدف مصادرة أو ثلم حقوقه الوطنية الأساسية.
إن مشاركة دول إقليمية غير عربية وذات ثقل جغراسياسي كإيران وتركيا، إضافة إلى الأنظمة اليسارية المعادية للإمبريالية في أميركا اللاتينية، كفنزويلا وكوبا وبوليفيا، سيزوّد المنظمة الإقليمية العتيدة ـــــ التي نقترح أن يتحوّل إليها مؤتمر قمة الدوحة ـــــ بأذرع دبلوماسية دولية وامتدادات جماهيرية واسعة، يمكن أن تغير، وفي العمق، «موازين القوى» في الإقليم والعالم، حتى إذا اقتصر الحال على ما بات يسمّى «القوى الناعمة».
من الضرورات المرادفة واللازمة لتحقيق هذا المشروع، هو أن يكون مفتوحاً على دول أخرى ليس من الصعب تفسير عدم اشتراكها في هذا المؤتمر اليوم، وليس من المستحيل انخراطها فيه لاحقاً، كاليمن والإمارات العربية المتحدة وسواهما.
أما حالة الانقسام الفلسطيني بين فصائل المقاومة المتصدية للعدوان وسلطة «أوسلو» الفلسطينية، فثمة الكثير من العوامل والمتغيرات التي ستجعل من تجاوزها أمراً ميسوراً.
ومن المرادفات اللازمة أيضاً، أن يتبنّى استراتيجية سياسية وآليات تنفيذية شفافة وقابلة للتطبيق تخرج من دائرة ردود الأفعال لتخطّ لنفسها خطاً عاماً يتبنّى هدف الدفاع عن الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية.
لعلّ من نافل القول أنّ مشروعاً كهذا سيواجه بردود أفعال قد تفوق في عنفها وقوتها ما واجهته الفكرة القَطَرية لعقد المؤتمر، وستقال حتماً «مزاعم» كثيرة في مقدمها أنه سيكرس حالة الفرز والتفرقة والقطيعة بين الدول العربية حول الشأن الفلسطيني، وكأن الانقسام والفرز لم يتكرسا واقعياً بعد. ثم مَن قال إن مجموعة الطرف الآخر أو الموقف الآخر من الدول العربية التي تسمي نفسها «دول الاعتدال»، وهي في الواقع «دول التحالف مع الغرب وأميركا»، أقل تنسيقاً وتماسكاً من أية منظمة دولية أخرى؟ لقد أكدت الوقائع، وخصوصاً القريبة منها كالعدوان الإسرائيلي صيف 2006 على لبنان وشعبه، أن هذه الدول ذاتها تقاد مباشرة وبالهاتف الجوال أحياناً من وزارة الخارجية الأميركية.
إن اعتبار العاصمة القطرية، الدوحة، مقراً رسمياً لهذه المنظمة يتعدى مجرد الاعتراف بالجميل لدولة قطر وشعبها وأميرها على مبادرته التأسيسية، لأنه ـــــ إضافة إلى ما تقدم ـــــ اختيار جيد أملته ظروف وملابسات ومصادفات خاصة، وذلك لما لدولة قطر من موقع مهم يتوسط رقعة الصراع والأحداث ذات العلاقة المباشرة بالشأن الفلسطيني.
مجرد انعقاد اجتماع الدوحة، يُعدّ إعلاناً طبيعياً عن تكريس حالة ولادة هذا المشروع، فهو قد أوجد ـــــ ضمناً ـــــ حالة من التضامن بين أطرافه لن يقلّل منها التحفّظ اللبناني على أحد قراراته. ويثبت الأداء اللاحق للدول المشاركة فيه خلال قمة الكويت، ودفاعها عن قراراتها المتخذة في اجتماع الدوحة، تجسيداً نهائياً لحالة الولادة تلك، إضافة إلى ما ستمليه حاجات جديدة سيأتي بها التطور اللاحق للأحداث والذي سيثبت يقيناً للدول المشاركة في اجتماع الدوحة، أنها لن تتمكن منفردة من مواجهة الاستهداف السياسي والاقتصادي الغربي والإسرائيلي لها؛ فالتحالف الغربي ـــــ الإسرائيلي وملحقاته العربية، لن يتأخّر طويلاً في الرد على صفعة الدوحة، وبهذا تكون المنظمة العتيدة المقترحة، «منظمة دول مؤتمر الدوحة للدفاع عن الشعب الفلسطيني» حاجة ماسّة لمؤسّسيها والمشاركين في إطلاقها مثلما هي حاجة فلسطينية أولاً وأخيراً.
* كاتب عراقي