تستدعي أزمة الغذاء اتخاذ تدابير طارئة، لإنقاذ مليار شخص يتخبّطون في دوامة الجوع. لمناقشة هذه القضية، انعقد في مدريد مؤتمر، على مستوى رفيع، يومي 26 و27 من الشهر الماضي، لم تأت نتائجه على مستوى التوقعات
إعداد: رنا حايك
حضر مؤتمر مدريد ممثلون عن الدول المانحة والأمم المتحدة، ومنظمات أخرى مشابهة من جهة، ومنظمات تمثل المجتمع المدني وصغار المزارعين من جهة أخرى، من بينها جمعية La Via Campesina (الدّرب الفلاحي)، ومئات من الجمعيات الأصغر التي نشأت في الريف. إلا أن الاجتماع انتهى نهاية غير سارّة، إذ لم يُتّفق على صيغة للتقدّم. ويعود السبب في ذلك إلى أن مجموعتي المشاركين، المانحين وممثلي المجتمع المدني، قد حملتا إلى الاجتماع أهدافاً واحدة، بينما وضعتا، لبلوغها، جداول أعمال متعارضة تماماً.
فقد اقترحت الدول المانحة ضخّ استثمار مالي كبير لتزويد مزارعي العالم الفقير بتكنولوجيا تتيح لهم إنتاج المزيد من الغذاء. إلا أن مقاربتهم للقضية قد ارتكزت على تمويل مراكز بحث دولية تنتشر فروعها في مختلف البلدان، بينما تديرها حكومة الدولة المانحة، كما على إنتاج المزيد من البذور الهجينة والنباتات المعدلة جينياً التي من شأنها رفع إنتاجية المزارعين ومساعدتهم على الهروب من فخ الفقر. بالإضافة إلى ذلك، ركّزت هذه الدول على ضرورة إمداد المزارعين الصغار في البلدان النامية بمظاهر التطور التكنولوجي، كالمخصّبات الصناعية، والمبيدات، وأنظمة الريّ الحديثة.
اقترحت هذه الدول أن تطبّق الشركات العملاقة، بالتعاون مع منظمات التنمية، هذه الخطة. أما التمويل اللازم للتنفيذ، الذي يصل إلى مليارات عدة من الدولارات سنوياً، فسوف يودع في جهاز يكون بمثابة آلية تنسيق مالية، على أن يُسحب لاحقاً واستخدامه لشراء المخصّبات وأنواع البذور المحسّنة، وعدة الري اللازمة لتطبيق الخطة على نطاق ضيق. هكذا، تحصل البلدان الفقيرة، على تمويل مضمون وسريع للمخصّصات الزراعية من حساب موحّد، بدل تعدد مصادر التمويلات والمانحين. بعبارات أخرى، أرادت الدول المانحة أن تستعيد المقاربة الكلاسيكية لمفهوم الثورة الخضراء، وأن تستخدم الأموال لتحفيز تطوّر زراعي من شأنه تعزيز التجارة وعمل المؤسسات الدولية: تجارة المخصبات والمواد الزراعية الكيميائية الأخرى، تجارة التكنولوجيا، وتجارة المعرفة.
أما ممثلو المجتمع المدني، فقد كانوا يطالبون بإعادة هيكلة جذرية للنظام الغذائي العالمي تعزّز بسط السيادة الغذائية، بحيث تمتلك كل دولة حقها في تحديد سياستها الغذائية الخاصة، لأنهم يؤمنون بأن غياب التكنولوجيا ليس العامل الأهم الذي يعيق التطور الزراعي، بل غياب الإرادة السياسية هو مكمن الداء. فهذه المنظمات تدرك، عن تجربة، وعن رصد تاريخي علمي معمّق، فشل سياسات مختلف المؤسسات الدولية والشركات العالمية العملاقة في تحقيق التنمية المستدامة والتخفيف من حدة الفقر على المدى الطويل في البلدان النامية.
لذلك، كان ممثلو هذه المنظمات يطالبون بتعميم نموذج يرتكز على السيادة الغذائية ويتوجّه للمزارعين المحليين والصيادين، بينما يضع تصريف المنتج في الأسواق المحلية وأساليب الإنتاج المستدامة في صدارة أولوياته. يستند هذا النموذج إلى الحق في الغذاء وإلى حق الشعوب في تحديد سياساتها الزراعية الخاصة.
استبعد المؤتمر خلال يومي 26 و27 كانون الثاني، أهمّ المؤتمنين على قضية الغذاء، المزارعين الصغار، من النقاشات المصيرية التي تناولت أزمة الغذاء.
غاب هؤلاء، بينما حضرت مؤسسات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، وشركات عالمية مثل «مونسانتو»، وسيطرت على جلسات النقاش. فقد منحت هذه الجهات حيزاً كبيراً خلال الجلسات، بينما لم يمنح ممثّلو صغار المزارعين، الذين ينتجون 80% من غذاء العالم، سوى دقائق قليلة لعرض موقفهم.
نتيجة لذلك، بدل أن يحاول الاجتماع إيجاد حلّ لقضية أزمة الغذاء الملحّة، ركّز على النقاش الدائر بين المانحين بشأن كيفية صرف أموالهم.
ومن دون تقويم جدي للأسباب الهيكلية الحقيقية وراء أزمة الغذاء، يبدو أي نقاش بشأن المبالغ التي يجب رصدها للمساعدات وكأنه يعالج مظاهر المشكلة فقط من دون محاولة حلّها.
فأزمة الغذاء يجب ألا تكون فرصة تستغلها الشركات لتكديس المزيد من الأموال من خلال بيع المخصبات، والمواد الزراعية الكيميائية والبذور المعدلة جينياً. كما أنه من غير العادل أن يسمح للتجارة الزراعية بمحاولة تحقيق الاستفادة من يأس ما يزيد عن مليار شخص حول العالم، بل يجب منع ممثّليها، ومعهم الوكالات المالية والتجارية العالمية، من التدخل في معالجة أزمة الغذاء، فمن المستحيل الاعتماد عليهم في حل أزمة كانوا هم من تسبّب بها في الأساس.