بين من يقولون إن استخدامه شرعي لأنه يتيح للصيادين وقتاً أطول تحت الماء لنصب فخاخهم، وزملاء لهم في المهنة ذاتها يقولون إنه ضار بالبيئة لأنه يسهل عمليات الصيد غير الشرعية واستخدام البندقية ويقضي على صغار السمك، يبدو أن «الكومبرسور» أصبح مادة للتجاذب في عالم الصيد المحلي، وهو تجاذب مرشح للاستمرار في ظل ترخيص وزارة الزراعة لاستعماله، ومطالبة المتضررين بإلغاء التراخيص
صيدا ـ خالد الغربي
ما زال استخدام «الكومبرسور» وسيلةَ صيد بحرية موضوع أخذ وردٍّ بين الصيادين، ولا سيما أن القانون اللبناني يسمح لوزير الزراعة بمنح بعض الصيادين رخصاً لاستخدامه على الرغم من المخاطر التي تتهدّد البيئة البحرية والصيادين أنفسهم (راجع «الأخبار» عدد 737)، فهناك بين الصيادين من يعترض على استخدامه، وهناك من يدافع عنه.
في مدينة صور، احتجّ، الأسبوع الماضي، عدد من الصيادين المعارضين، وعبّروا عن رفضهم الاستخدام المفرط والعشوائي لهذه الآلة، وطالب رئيس نقابة الصيادين في صور، خليل طه، وزارة الزراعة، بوقف العمل بالقرار 20/1 الذي يسمح للصياد باستخدام كومبرسور الغوص خلال عمليات الصيد البحري.
فتح هذا التحرك باب السجال على مصراعيه، واستدعى مطالعات دفاعية من «أنصار» استخدام الكومبرسور. من هؤلاء نقيب الغواصين المحترفين في لبنان محمد السارجي الذي طالب بعدم «المس» بالكومبرسور، آزره في حملة الدفاع عشرات الصيادين من «ريّاس» البحر، محدّدين وجهة استخدامه «بتزويد الغطاس بالهواء الطبيعي أثناء غوصه تحت الماء لوضع أقفاص الحديد في قعر البحر وتثبيتها وإعادة انتشالها منه، مؤكدين أنهم لا يستخدمونها خارج إطار القوانين».
سرعان ما يلاحظ زائر ميناء الصرفند الانتشار الكثيف لأقفاص حديدية دائرية تتّخذ شكلاً موحداً. ليست هذه الأقفاص بديلة من شباك الصيد، لكنها بمثابة «وسيلة إبداعية إضافية وتفنّن في المزيد من حصد ما هو صالح من الأسماك»، كما يقول أحد الصيادين هناك شارحاً: «هذه الوسيلة في الصيد تساعدنا على جمع الرزق الوفير، وتمثّل شركاً فعالاً للأسماك. هي أقفاص نزرعها في العمق، في مراعي السمك خصوصاً».
لكن، ما علاقة هذه الأقفاص بالكومبرسور؟ تجيب مجموعة من الصيادين بصوت واحد: «إنهما توأمان».
ويتبرع أحدهم، يوسف فرحات أبو أحمد، لشرح العلاقة العضوية بين الأقفاص والكومبرسور: «يمدّنا الكومبرسور بالأوكسجين أثناء الغوص لتثبيت القفص أو انتشاله، بينما نأخذ راحتنا ووقتنا في وضع الأقفاص، غير خائفين من انقطاع الهواء عنا. فهو يمنحنا الوقت الكافي للعمل تحت الماء، ما يضمن لنا قفصاً ذهبياً حافلاً بالأسماك».
يشير صياد آخر، محمد خليفة، إلى أن «الصيد بالأقفاص هو الطريقة المثلى، سواء لجهة حماية البيئة أو لجهة الحفاظ على الثروة السمكية. فهي طريقة لا تأخذ السمك الصغير بجريرة الكبير، لأن فتحات القفص تتيح للأسماك الصغيرة التسرب بينما تحجز الكبير منها».
ويشدّد نقيب الغوّاصين السارجي، على ضرورة «تصويب مفهوم خاطئ يتداوله المطالبون بوقف العمل بالكومبرسور»، وهو أن «استعمال الكومبرسور لا يرتبط بالصيد بالمتفجرات كما يشيع البعض».
يعتقد السارجي أن «من يريد أن يخالف القوانين وأن يصطاد بالمتفجرات، ليس بحاجة إلى أيّ تراخيص. وفي إمكانه أن يغوص بعد إلقائه الديناميت، لتجميع الأسماك المقتولة مستخدماً قوارير الهواء المضغوطة ومن دون أي معدات غوص. أما ما يطفو على وجه الماء من سمك مقتول بالديناميت، فيستطيع جمعه من دون الحاجة إلى الغوص».
ويتوجّه السارجي إلى وزارة الزراعة بسؤال استنكاري: «كيف تسمح الوزارة بالصيد بالشباك التي تحصد أطناناً من الأسماك الصغيرة جداً خلال ساعات، بينما تمنع الصياد الغوّاص من صيد بضع أسماك كبيرة الحجم لا يحصل عليها إلّا بعد يوم عمل طويل؟».
وطالب كل من رئيس نقابة باعة الأسماك في الجنوب، محمد نعمة عباس، وأحد صيادي صور، ويدعى زين الإسطنبولي، بضرورة استخدام الكومبرسور على اعتبار أنه «جزء لا يتجزأ من معدات مركب الصيد.
وهو مولّد للهواء يزوّد الغواص بالهواء اللازم له خلال انتشاله الأقفاص وكشفه على الشباك من دون الاضطرار إلى إخراجها من تحت الماء، وخلال تخليصه للشباك إذا علقت في الصخر في قعر البحر، وهو عمل في غاية الأهمية، لأنها إذا بقيت وتعذّر انتشالها، فستتعفّن تحت الماء وتتحوّل إلى فخ قاتل لكل الأسماك».
البارودة، أو بندقية الصيد، هي إحدى وسائل الصيد المرتبطة باستخدام الكومبرسور، الذي يساعد الغواص، إذ يستفيد الصياد من إمكان البقاء وقتاً أطول تحت الماء.
بحسب العديد من صيادي منطقة الزهراني، «فالصيد بالبندقية يعدّ نظيفاً لكونه لا يضر بالثروة السمكية، بل يسهم بالحفاظ عليها.
«البندقية صديقة للبحر والبيئة»، يقول أحد الصيادين، مضيفاً «عندما نطلق سهام بنادقنا، نصوّب باتجاه السمك الكبير إذ ليس باستطاعتنا التصويب على السمك الصغير». ويسأل مداعباً بندقيته: «أهي راجمة صواريخ لتخيف المعنيين؟».
في هذه الأثناء، يحوّل قاسم مصطفى حوض الميناء في الصرفند إلى مسرح عائم حين يتطوّع لأداء مشهد تمثيلي يستعرض خلاله عملية صيد مفترضة، مرة بواسطة القفص، وأخرى بالبندقية. وفي الحالتين، يمد خرطوم الأوكسجين المنبعث من كومبرسور مثبّت داخل مركبه. رسالة من تحت الماء، يبعثها مصطفى، ليؤكّد من خلالها «سلمية» هذه الآلة بنظره.