قبل أربعة أشهر على الانتخابات النيابية المقررة في السابع من حزيران المقبل، يتناتش مندوبو الأحزاب اللبنانية في فرنسا، في المعارضة والموالاة على السواء، الطلاب المغتربين، ويحاولون عبر إغراءات بـ«تذكرة سفر مجانية» إلى لبنان كسب أصواتهم في صندوق الاقتراع في يوم الحسم
فرنسا ــ خضر سلامة
«من أجل حقك بالتصويت، نعرض على مواطنينا الكرام المغتربين في فرنسا تسهيل عودتهم إلى لبنان في فترة انتخابات الصيف المقبل. نرجو من المهتمين مراسلة مندوبنا في منطقتهم». ينتهي البريد الإلكتروني الآتي لتوّه من شخص معين، إلى المجموعة البريدية للطلاب اللبنانيين في إحدى المدن الفرنسية. صيغ العرض بطريقة بريئة ليبعد صورة الرشوة الوقحة عن الرسالة. رسالة أخرى من «مسؤول» حزبي من منطقة أخرى، كتبت بطريقة ساخرة: «ناوي تنتخب؟ عم تفكّر بالموضوع؟ بس عمرا ما تكون إذا بدك تدفع حق التيكت لتنزل تنتخب!! إذا بيدفعولك حق تيكت الطيارة بتنزل بتنتخب؟».
تصل إلى بعض الطلاب رسالة ثالثة من شخص معروف بمركزه الحزبي، وهي أشبه ببيان سياسي، ينهيها بإعلان أنّ مؤسسته الحزبية «في خدمة رفاقنا المواطنين من أجل التصويت بنعم لحماية خياراتنا السياسية وكياننا اللبناني ورسم ملامح المرحلة القادمة»!
هكذا أصبح الطالب الجامعي اللبناني المغترب في فرنسا هدفاً للأحزاب اللبنانية التي تسعى لجذبه عبر هدية بطاقة السفر للتصويت لمصلحتها في الانتخابات النيابية المقبلة. ويتولى الدعاية الانتخابية مقربون من الأحزاب الرئيسية لدى كلّ من المعارضة والموالاة على السواء. فيتولى أحد الشبان المقربين من تيار المستقبل الدعاية لمصلحة قوى 14 آذار في إحدى المدن الجامعية شرق فرنسا. يسأل المقربين عن معارفهم في كل قضاء انتخابي، ويطلب منهم نشر الرسالة معلناً تأمين التمويل الكامل من جهات في التيار لرحلة العودة إلى لبنان مقابل التصويت لمصلحة اللائحة الزرقاء أو المدعومة منها. في المقابل يهتم مندوب أحد أحزاب المعارضة بجمع الأصوات وإعداد اللوائح والأرقام في منطقته، أما التمويل، فهو من جمعية دينية قريبة من حزب نافذ في لبنان تعمل في باريس.
وسائل عمل الشخصين المختلفين سياسياً متشابهة جداً، إذ يُطلب من الطلاب المهتمين إرسال أسمائهم الثلاثية، رقم السجل، القضاء الانتخابي، وترك رقم الهاتف الخاص للاتصال إذا كان «ممكناً» تمويل رحلة العودة إلى صندوق الاقتراع.
أما الناخبون، المعروضون دون معرفتهم بمزاد الأحزاب المتنافسة في الديموقراطية اللبنانية، فتتباين ردات فعلهم على ما يجري. فبينما يكتفي حسن العشريني بشتم الحالة لأنّه «مش مطلوب الصوت الجنوبي، قال محسومة عنا»، تتأفف ريتا، الطالبة في العلوم السياسية من الحديث، وتؤكد قرارها بالامتناع عن التصويت في الصيف، «لن أشارك في هذه الفضيحة العلنية». من جهته، يسخر مارك من كون «الصوت المسيحي غالي هالفترة»، في إشارة إلى اهتمام المندوبين الحزبيين باستمالة المسيحيين لحساسية معركتهم الانتخابية وتأثير نتائجها على المعادلة السياسية. ويشير مارك إلى أنّه سيستفيد من العرض المقدم، ولو أنّه لا يهتم بالسياسة، «نزلة علبنان ببلاش، وصوت لا بيقدم ولا بيأخر»، يقول.
إذاً التنافس شديد على كسب الأصوات وإغراء الطلاب، وخصوصاً عبر استغلال حاجتهم الماسة وشوقهم الوطني البريء. هذه هي الحالة في أوساط الطلاب اللبنانيين في فرنسا قبل بضعة أشهر من الانتخابات اللبنانية، في ظل غياب الرقابة وصلاحية السفارة اللبنانية، وتعثر القانون اللازم للحد من المال السياسي في الانتخابات. ويبدو الشاب اللبناني الحلقة الأضعف في الغربة، عرضة للابتزاز وللرشوة من جهتين تدّعي كل واحدة احترام المواطن، وتمارس خلف الكواليس عملية تحقير قيمته ودوره.


معارك على الأقضية

الملاحظ في طريقة عمل مندوبي الأحزاب اللبنانية الفاعلين في هذه «العجقة» الانتخابية بين الطلاب اللبنانيين المغتربين في فرنسا، تشديدهم على أهمية أقضية معينة دون أخرى. وهذه الأقضية هي: البقاع الغربي، زحلة، صيدا والمتن الشمالي.
ويشدد المندوبون من الجهتين المتخاصمتين سياسياً على الأهمية القصوى لهذه الأقضية بالذات، التي يبدو أنها ستشهد «أم المعارك» أو «معارك تكسير عظم» يوم السابع من حزيران المقبل، تاريخ إجراء الانتخابات النيابية. ويطلب المندوبون من جميع الطلاب إرسال أرقام هواتف معارفهم القادمين من هذه الأقضية، من أجل التنسيق معهم، أي محاولة إغرائهم، أو رشوتهم بتذكرة طائرة تقلع من مطار شارل ديغول... وتحط في صندوق الاقتراع المناسب.