الظروف قاسية جداً. المعوّقات من كل جانب. رغبة الشباب في الزواج والاستقرار تقف بوجهها عقبات مالية كثيرة، لكننا نلحظ عند البعض إصراراً على الانتقال من العزوبية إلى عش الزوجية، ولو كان الثمن تعديلاً في روزنامة الأولويات أو التنازل عن ضروريات العيش في هذا العصر. مع اقتراب عيد الحب، نسلّط الضوء على قصتين لعشاق ضحَّوا بشهاداتهم وبالساعات التي تخصص للهو، وكرّسوا وقتهم للعمل وبناء عش الزوجية

هيثم خزعل
لقصة بدأت في باحة كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية. حسن شابّ كغيره يحلم بالاستقرار وبالنجاح في ميدان العمل. إمكاناته المالية ضئيلة، كان مهموماً بالبحث عن عمل، لكن مرور سَحَر كان نقطة تحول في حياته. سحرته الفتاة السمراء، وتطورت علاقتهما شيئاً فشيئاً. ابن الـ 21 عاماً بدأ يفكر بعلاقة جدية، وهي كذلك، رغم أنها كانت في ذلك الحين تبلغ من العمر 19 عاماً فقط. عرف ذوو حسن وسحر بعلاقتهما، فـ«أصبح الوضع رسمياً بيننا». وجد حسن أن الجامعة «ما بتطعمي خبز»، وأن إيجاد عمل بعد التخرج من كلية الحقوق هو أمر صعب. ظنّ خطأً أن العمل في مدينة الملاهي أمر كافٍ لسدّ مصاريفه، لكن التجربة العملية أثبتت عكس ما اعتقده، المسؤوليات ازدادت عندما بدأت فكرة الزواج تتبلور في ذهن الحبيبين. وجدا معاً أن تكثيف الجهود للبحث عن العمل هو الحل الأفضل لتسريع الزواج والاستقرار. الثمن الذي دفعه حسن كان باهظاً، حيث اضطُرّ لـ«تعليق» حضوره في الجامعة والتفرغ للمقهى الذي شجعته سحر على افتتاحه.
لا ينفي حسن أنه تأثر بالمحيطين به. أكثرية أصدقائه من غير الجامعيين، كلهم تفرغوا للعمل في مهن يدوية أو مجالات لا تتطلب حمل إجازة جامعية. مشاركة حسن في مصاريف عائلته أخّرته بعض الشيء عن تلبية حلم الارتباط بحبيبته التي أنهت بنجاح السنة الجامعية الأولى، فيما انتقل هو لتوسيع أعماله. أسس مع صديقه شركة لأعمال الصيانة وتوصيل الكهرباء. رفض والد سحر الحديث مع حسن بشأن ابنته قبل أن تنال شهادتها وقبل أن «يؤمّن حاله مظبوط»، وخصوصاً أن طالبي يد ابنته كثر، وبعضهم لا يعاني ضائقة مالية. لكنّ سحر كانت حازمة، أعلنت لأهلها: «أريد أن أتزوج حسن، ولا أحد غيره».
استجمع حسن أمواله التي ادّخرها من عمله. كان المبلغ متواضعاً، لكنه كان كافياً بالنسبة إليه ليبدأ بتأسيس منزل يجمعه بسحر.
حسن عانى أيضاً من ضغوط والديه اللذين طالباه بالتروي قبل اتخاذ القرار بالزواج، لكن جوابه كان: «لست مهيأً للانتظار كثيراً. نستطيع أن نعيش حياة متواضعة، المهم هو السعادة». استأجر حسن بيتاً في منطقة الصفير، بدأ بتهيئته ليكون قفصه الذهبي. يعترف، دون تأثر ظاهر، بأنه خسر جامعته. حسابات سحر توافقت مع حسابات زوج المستقبل «متخرجو الجامعات ليس بيدهم عمل»، وهي تعطي الأولوية لحبها. هذا ما تردده أمام أصدقائها، تتكلم والتوتر يهيمن على صوتها، فيما ينصرف حبيبها عنها ليغطس في عمله، إذ يُكمل وضع الدهان على جدران منزلهما.
«كان لا بد من المشاركة بيننا»، بهذه العبارة بدأ أيمن الحديث عن علاقته بمريم. انتظرا لحظة التخرج بشغف شديد. إجازة إدارة الأعمال لم تشفع لهما في إيجاد عمل يتيح التفكير بالاستقرار. أهل مريم رفضوا زواجها بعاطل من العمل. اقترض أيمن مبلغاً من أحد المصارف وافتتح محلاً لبيع أفلام الـ DVD وبعض الإلكترونيات. تجلس مريم في المحل وتتسلم العمل من الصباح حتى ساعات العصر، ريثما يعود أيمن من عمله الثاني: محاسب براتب متواضع في أحد المطاعم.
هما على هذه الحالة منذ عام أو أكثر بقليل. يعوّلان على فرصة قد تنشل أيمن من وضعه الصعب. مع ذلك كله، يقولان إن أمورهما تسير جيداً، فدخل المحل مع راتب أيمن و«خرجية» مريم التي تدّخر جزءاً يسيراً منها ستجعلهما يجمعان العام المقبل مبلغاً لا بأس به من المال، يدخلهم في عالم الزوجية.
يعتقد أيمن أنه كان عليه أن يبدأ بتأسيس المتجر قبل التخرج من الجامعة، لكن الوعود الكاذبة الكثيرة التي تلقاها، التي أكد أصحابها له أنهم سيوفرون له عملاً فور التخرج أسهمت في إبعاد الفكرة عن خططه للمستقبل.
يشعر أيمن بالسعادة حين يعود إلى المحل، ويجد خطيبته في انتظاره، وقد جهزت له شيئاً من الطعام. لا يضعان في حساباتهما شراء بيت بقدر ما يركزان على الاستئجار، فهو « الحل الأفضل والأسرع لمن يريد الاستقرار، مع أن تبديل البيت كل فترة ليس بالأمر المريح أبداً».
أيمن ومريم يشتكيان من ارتفاع سعر الإيجارات، وهذا عائق آخر. أقل البيوت «المعقولة» التي وجداها يبلغ إيجاره 250 دولاراً في الشهر، علماً بأنه «ما بيستاهل نصّهن». الحديث عن إنجاب الأطفال مؤجل حالياً، وهما في أية حال لن يزيدا على الطفلين. وضعا برنامجاً زمنياً تقضي نهايته بالزواج في العام المقبل في تاريخ اليوم ذاته الذي جمعهما لأول مرة حبيبين. يتحدثان عن المشاكل بتلذذ يثير الاتباه، فهما «قطعا الكثير، ولم يبقَ إلا القليل». يؤكد حسن صوابية نظريته بضرورة عدم الرضوخ والاستسلام للواقع المرير الذي يضغط على كل شاب يعيش في هذا البلد.


أسئلة مكررة

ماذا بعد إتمام خطوة الارتباط؟ ماذا سيحلّ بالعاشقين بعد أن يجتمعا تحت سقف واحد؟ سؤالان يوجَّهان دائماً للمستعجلين، الساعين إلى الارتباط بالحبيب قبل إنهاء الدراسة أو اكتمال التجهيزات. لكن اللافت في الآونة الأخيرة أن الشباب يميلون عموماً إلى ما يسمونه «التعقل»، نحن نصادف فتيات وشباناً يضحّون بمشاعر الحب للحصول على عريس أو عروس «لقطة»، أي على شريك قادر على تحمّل الأعباء المالية للحياة الزوجية.
لا شك أن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في لبنان بدأت تهدّد الكثير من قصص الحب، الأسوأ أن كثيرين يشعرون بأن آفاق العمل مسدودة، يرضون براتب قليل كي لا تسد كل الأبواب في وجوههم ويضحّون بأوقات الفراغ ليخصصوا ساعات الليل والنهار للجهد وتجميع القليل من المال