لم تكن استقالة الإعلامية مي شدياق الحدث الذي قضّ جدران المؤسسة اللبنانية للإرسال أخيراً. تخطّت الأحداث الاستقالة العاطفية، لتصل إلى الخضّات الأمنية والدعاوى القضائية المتبادلة بين إدارة المؤسسة والقوّات اللبنانية
أحمد محسن
يمكن اعتبار حادثة التشويه، التي طالت مكتب أحد البرامج المعروفة في المؤسسة اللبنانية للإرسال، حادثاً مباشراً (سبقته أحداث أخرى غير مباشرة) سلّط الضوء على أزمة قديمة بين المؤسسة من جهة، والقوات اللبنانية من جهة أخرى. وعلى الرغم من توالي البيانات، بين فريقي النزاع، فإن الأمر الذي لا التباس فيه بين الطرفين، أن ثمة مادة بيضاء (بودرة) قد لوّثت إحدى كاميرات التصوير داخل استديو برنامج «أحمر بالخط العريض» يوم السبت ٣١ كانون الثاني المنصرم. بدأ الخلاف على خلفيات الحادثة، في اعتبارها مفتعلة أو عرضية؛ وانطلق تحقيق فيها استمر من الاثنين حتى الجمعة، سلّم بعدها فرد من جهاز الحماية داخل المؤسسة نفسه معترفاً بالواقعة، وأُوقف ثلاثة أيام على ذمة التحقيق. لكن الأمور لم تنتهِ عند هذا الحد، إذ لاحقاً اتهمت إدارة المؤسسة شخصاً آخر بأنه كان مع الشخص المعترف، وأعلنت أنه من ضمن قائمة السبعة عشر موظفاً الذين استغنت المحطة عن خدماتهم ويستمرون في الحضور إلى المؤسسة، لأسباب سياسية معروفة.
وفي اتصال مع «الأخبار» أكد إداريّ في المحطة، أن الحادث مفتعل مع سبق الإصرار والترصد، بينما نفت الدائرة الإعلامية في القوات اللبنانية، أن يكون الأمر كذلك. بيد أن المصدر نفسه في إدارة المحطة، أصرّ على وجود شخصين داخل الاستوديو حين وقعت الحادثة منذ ما يقارب أسبوعاً، فيما تصر القوات على أن الشخص الذي أدلى بأقواله أمام القضاء (ط.ط.) كان وحده في الغرفة. وجاء في بيان القوات أنّ لاقط مطفأة الحريق قد انطلق عن غير قصد من يد المدّعى عليه. وفي هذا السياق، نفى إداريّ في المؤسسة اللبنانية للإرسال أن تكون الحادثة بحد ذاتها هي الأزمة، حيث شدّد المصدر على أن شخصاً آخر هو (و.ص.) كان موجوداً حينها، متهماً إياه بالقيام بعمل تخريبي، ومشيراً إلى أن الشخص المذكور، كان قد صُرف سابقاً من جهاز الأمن في المؤسسة، بيد أنه لا يلتزم بذلك (وهو متوارٍ عن الأنظار حتى الآن بحسب مصدر في إدراة المؤسسة اللبنانية للإرسال). ويستفيض الإداري المذكور بالحديث عن عدم التزام هذا الشخص بقرارات مجلس الإدارة، إضافةً إلى مجموعة أخرى من الموظّفين، اتهمها الإداري بأنها تتلقى أوامرها من شربل أبي عقل (رئيس جهاز الأمن السابق في المحطة الذي تردّدت معلومات داخل المحطة عن دعوته إلى اجتماع أمني)، وتالياً من حزب القوات اللبنانية. ويزداد الأمر خطورة، عندما يتحدث الإداري عن تهديدات تلقّاها بعض الموظفين في المؤسسة، قبل الإدلاء بإفاداتهم، التي رجّح المسؤول في المحطة أن يكون شربل أبي عقل مصدرها. وتتمحور طبيعة هذه التهديدات، حسب وصفه، حول عدم ذكر موظفي المحطة اسم (و.ص.) في التحقيقات، أو حتّى ذكر أن الأخير ما زال يتردّد على المحطة، رغم أن أبي عقل ومجموعته رفضوا مغادرة العمل بعد فصلهم.
«في النهاية تجرّأ أحد الموظفين وقال هذا الاسم، وعندها طلبنا من القضاء التوّسع في التحقيق»، يقول الإداري. إذاً، الأمور ذاهبة في اتجاه تصعيدي، حيث لفت بيان الدائرة الإعلامية في حزب «القوات اللبنانية» إلى أن الأخير سيتقدّم بشكوى ضد الشيخ بيار الضاهر، بدعوى افتراء جنائي، متهماً المحطة بنسب الافتراءات والأكاذيب إلى القوات. وفي محاولة لمعرفة سير الأمور داخل المحطة، علمت «الأخبار» من إداري آخر، أن الوضع هادئ على مستوى الموّظفين، بعدما لجأ الطرف المتضرر (إدراة المؤسسة) إلى القضاء، حين ادّعى الشيخ بيار الضاهر على الجناة، أمام النيّابة العامة في جبل لبنان، وأحيلت الشكوى على المفرزة القضائية قي جونيه، حيث جرى التحقيق مع المدّعى عليه. وتوقّع مصدر في وزارة الداخلية، صدور قرار قضائي حاسم خلال أيام، مما يذّكر بما رواه إداري في المؤسسة لـ«الأخبار»، عن توقعات تفيد بصدور قرار مماثل يحسم فصل المجموعة الأمنية المحسوبة على «القوات اللبنانية» من المؤسسة، والتي تتألف من 16 عنصراً إضافة إلى رئيسها شربل أبي عقل، حسب الإداري، الذي سخر من أن العناصر المذكورين، هم الذين كانوا يستقبلون رجال الأمن القادمين للتحقيق، وهم أنفسهم الذين تتّهمهم المؤسسة بالتخريب. ولمّح الإداري إلى ذلك، بعد حدوث اتصال مع مصدر قضائي رفيع بغية استيضاحه بشأن الجوانب القضائية في الموضوع أثناء لقاء إداريي المؤسسة مع وزير الداخلية.


بارود يتدخل

زار وزير الداخلية المحامي زياد بارود (الصورة)، أمس، مكاتب المؤسسة اللبنانية للإرسال، يرافقه قائد الدرك العميد أنطوان شكور، وقائد منطقة جبل لبنان في قوى الأمن الداخلي العميد بهيج وطفة. وبعد تفقّده الإجراءات الأمنية، شكر إداريون في المؤسسة للوزير اهتمامه، محذّرين من تطور الأحداث الذي أدى إلى نشر قوة من الجيش مساء الأحد الفائت. وأوضحت مصادر مقرّبة من بارود لـ«الأخبار» أن الوزير أعطى توجيهاته للحفاظ على الأمن، بيد أن بتّ قضية جهاز أمني يتطلب قراراً قضائياً؛ فوزارة الداخلية لا تتدخل إلا لتنفيذ أوامر النيابة العامة، لكون الوزارة على مسافة واحدة من الجميع.