طرابلس ــ عبد الكافي الصمدفوجئ موظفو دوائر النفوس الأسبوع الماضي، في طرابلس والشمال وبقية المناطق اللبنانية، بحصول بعضهم على مكافآت مالية وحجبها عن آخرين. وعلم أن سبب صرف هذه المكافآت هو بدل جهد إضافي بذله موظفون في الشهرين الماضيين، عملوا خلالهما على إنجاز لوائح شطب الناخبين للانتخابات النيابية المقبلة، بعد إدخالهم الإضافات، التي طلبتها الجهات المختصة، عليها.
كان يمكن هذا الخبر أن يمثّل مفاجأة سارة، لولا أنه استثنى عدداً كبيراً من الموظفين الذين لم ينالوا شيئاً من «حظوة» المكافآت، ما أثار انزعاجاً وتململاً لم يبقيا مكتومين داخل جدران الدوائر الرسمية، كما دفع عدداً منهم إلى الاعتراض عليها. ويكاد يكون السؤال الأبرز الذي يطرحه الجميع، باستغراب، عن المعيار الذي اعتمد في توزيع هذه المكافآت وطريقة إنفاقها بشكل اعتبروه استنسابياً وغير عادل.
وقد أوضح موظفون يعملون في عدد من دوائر النفوس في الشمال لـ«الأخبار»، بعدما طلبوا عدم ذكر أسمائهم، أن المكافآت «تراوحت بين مئتي ألف ليرة وخمسمئة ألف ليرة للموظف، ومليون ليرة أو مليون ونصف مليون ليرة لرئيس الدائرة، وذلك مقابل عملهم ساعات إضافية تراوحت بين ثمانين وتسعين ساعة خارج أوقات الدوام الرسمي أو خلال أيام العطل». وأوضح محدثونا أن الموظفين «عكفوا خلال تلك الفترة، على إضافة اسم الأم الذي لم يكن موجوداً على لوائح الشطب السابقة، وتصحيح الأخطاء الواردة فيها، إضافة إلى تدوين تاريخ ميلاد الناخبين بالكامل (اليوم والشهر والسنة)، لا الاكتفاء بذكر سنة الميلاد فقط».
وأكد الموظفون أن المكافآت «أحدثت بلبلة وردات فعل سلبية واسعة في دوائر النفوس، كما أثّرت على أداء موظفين وعملهم، حيث اعتبروا أنفسهم مغبونين». حجة هؤلاء المغبونين، أن «معدل تقييم عدد من الموظفين الذين حصلوا على مكافآت مالية هو في حدود الوسط (يخضع التقييم لمعايير الالتزام بالدوام والإنتاج)، فيما حجبت المكافأة عنهم وعن موظفين آخرين بعد تقييمهم الوظيفي جيداً وما فوق، من غير توضيح الأسباب والمبررات».
ولم يتضح بعد إن كان قرار دفع المكافآت اتخذ بعلم وزير الداخلية زياد بارود أم لا، وهو أمر لم تبيّنه وزارة الداخلية التي وعدت «الأخبار» بذلك بعد الاتصال بها ولم تفعل، عدا تجنب مسؤولي دوائر النفوس في الشمال الإجابة عليه وتوضيحه، مكتفين بعبارة واحدة: «توضيح هذا الأمر ليس من اختصاصنا، اذهبوا واسألوا غيرنا». لكن الموظفين المعترضين على هذه «الاستنسابية» أجمعوا على اتهام «موظفة كبيرة في الوزارة (ذكروا اسمها) مقرّبة من النائب ميشال المر»، بالوقوف وراء دفع المكافآت «بهذا الشكل غير العادل». ورجّح المعترضون أن تكون المعايير التي اعتمدت على «علاقة بالانتخابات النيابية المقبلة».
وفي هذا الإطار، نقل موظفون لـ«الأخبار» بعضاً من مفارقات توزيع المكافآت. فذكر أحدهم أن «جميع موظفي إحدى دوائر النفوس، بمن فيهم الحاجب، نالوا مكافآت باستثناء موظف واحد فقط يعتبر تقييمه جيداً، فيما نال ربع الموظفين في دائرة أخرى مكافآت وحرم منها الباقون». وأكد موظفون آخرون «حصول موظفين في إحدى الدوائر على مكافآت رغم أنهم لم يقوموا بأي جهد إضافي ولم يساهموا في إعداد اللوائح، فيما حُرم منها موظفون آخرون عملوا معظم الساعات الإضافية». أما المفاجأة الأبرز، برأي أحد المعترضين، فكانت نيل أحد الموظفين مكافأة أكبر من مكافأة رئيس دائرته «ما أحدث ضجة داخل الدائرة لم تنته تداعياتها بعد».


ضرر المكافآت

لم يخل توزيع المكافآت على بعض موظفي دوائر النفوس من آثار سلبية على العمل. ووصلت درجة الانزعاج لدى الموظفين الذين لم يحصلوا على مكافأة مالية، إلى حد أنهم باتوا يقومون بعملهم «بلا نَفس»، وفق قول أحدهم الذي عبّر عن مرارته من «عدم تقدير الجهد الذي أقوم به في دائرة النفوس منذ أكثر من 13 عاماً». وأوضح هذا الموظف أنه يخشى من أن «تنعكس ردّة فعل الموظفين المغبونين على أدائهم لعملهم بقدر أقلّ من الجدّية والتركيز، ما قد يؤدي إلى إبقاء الكثير من الشوائب والأخطاء موجودة في لوائح الشطب بلا أي تصحيح». ورأى أنه «كان من الأفضل عدم تقديم مكافآت للموظفين على تقديمها بهذا الشكل الاستنسابي، لأن ضررها المعنوي جاء أكثر من نفعها، على الموظفين ودوائر النفوس معاً».