اجتمع ثلاثة شبّان من هواة الموسيقى وألّفوا فرقة موسيقية تعزف على الأرصفة في شوارع بيروت إيماناً منهم بأنّ الموسيقى لجميع الناس ووسيلة حوار بينهم
هاني نعيم
ثلاثة موسيقيين يعزفون الموسيقى على أحد الأرصفة، وحولهم يتجمّع الناس ليسمعوا، ويستمتعوا. هذا المشهد ليس في شوارع باريس، أو أزقّة لندن، بل في قلب بيروت. إذ اجتمع كلّ من علاء أورشيد (23 سنة)، حسام وهبي (19 سنة)، وفراس (20 سنة) لتحقيق أفكارهم عبر «موسيقى الشارع».
لكلّ من الثلاثة تجربته الخاصة. إذ يعزف علاء على آلة الكمان ويدرسها في الكونسرفاتوار الوطني. أخذ علاء منذ مدّة، قرار ترك الفرقة التي يعمل معها، وتمثّل مصدر رزقه، ليبتعد عن الموسيقى الاستهلاكيّة. أما فراس، الذي تعلّم العزف على الغيتار وحده منذ سنة، فهو يشارك في تأسيس فرقة موسيقيّة شبابيّة في الجامعة اللبنانية، حيث يدرس. وتتشابه تجربة حسام مع فراس، إذ تعلّم الغيتار وحده، ولكنّه يعزف منذ 4 سنوات، وهو حالياً يدرس التمريض في الجامعة الأميركية في بيروت. تعرّف الشبان بعضهم إلى بعض خلال اعتصام أمام مقهى ستاربكس في شارع الحمرا، في ظل العدوان على غزة. اتّفقوا على أن يكون الشارع فسحتهم الموسيقيّة. وعن أسباب اختيارهم للشارع يقول علاء إنّه «يختصر المشهد الحياتي، وفيه نتعرّف إلى بعضنا بعضاً. نتحادث، نمشي ونختبر انفعالاتنا». ويضيف قائلاً إنّ «الموسيقى ليست للأماكن المغلقة فقط. نريد أن يستمع الفقراء، الأطفال، باعة العلكة والورود إلى الموسيقى». أمّا فراس، فالشارع بالنسبة إليه يمثّل كسراً للقيود التي يشعر بها عندما يعزف في مكان ليس له. ويقول «في الشارع نحن نضع شروطنا. نحدد الموسيقى التي نعزفها». ويضيف حسام «إنّها أسهل وأقرب طريقة لإيصال الأفكار إلى الناس».
أما بخصوص الموسيقى التي سيعزفونها، فهي خليط ما بين الشرقي والغربي، بمعنى آخر «إنّه حوار الثقافات في الشارع»، على حد تعبير علاء. يشاركه فراس الرأي، الذي يقول «نحن نرفض الحرب، الطائفية والكراهية بين الناس، ونقرّب بينهم عبر الموسيقى». ويسهب في الحديث عن الموسيقى التي تقود إلى تغيير، مثل البلوز التي انطلقت من الشارع، وعبّرت عن مشاكل الناس. معتبراً أنّ ما يقومون به يخلق بيئة حاضنة للأفكار التغييرية، «فالتغيير يأتي عبر التراكم» حسب رأيه. ويوضح حسام قائلاً «رسالتنا أنّ البلد لم يمت». أما في ما يتعلّق بتجاوب الناس مع هذه التجربة، فقد يكون مشهد تحلّق الناس حولهم وهم يعزفون على الرصيف المقابل لمطعم «ملك البطاطا» في شارع الحمرا، جواباً كافياً على ذلك. «بيكفّي نشوف ابتسامة الناس» يقول علاء. أما فراس، فيرى أن تجاوب الناس جيّد، موضحاً «نحن نمثّل متنفّساً صغيراً لهم. وهم يحبون ما نقوم به». أما حسام، فيرى أنّ الناس عندما يسمعونهم «ينسون همومهم». لن تلتزم المجموعة الموسيقية مكاناً معيّناً بل ستكون في كل شوارع بيروت. وإن توافرت الإمكانات فستتوسّع لتكون في مناطق لبنانية أخرى. كما أنّهم يشجعون انضمام موسيقيّين آخرين للتجربة، لإضافة نكهتهم الخاصة إليها، «وقد نصبح أوركسترا كبيرة نعزف في الشارع. ما المشكلة؟»، يقول علاء.
أراد الشباب التغيير، وبناء التواصل بين الناس. فاتخذوا من موسيقى الشارع درباً لهم. ليضيفوا تجربة تغييرية إلى الفسيفساء اللبناني. فهل يتلّقفها اللبنانيون؟