خالد البزري *وسعى العلماء الإيرانيون إلى اتّباع منهج كلاسيكي في هذا المجال، مبني على تطوير تكنولوجيا معظمها من أصل سوفياتي محسّن، والاستفادة من الخبرات الناجمة عن ذلك في ملاقاة مطالب أكثر تعقيداً، تفرضها طبيعة المعركة التي يفرض على إيران خوض غمارها. وزيادة مجال تحليق القذائف، واحد من تلك الأهداف، مثلاً، كما كان تطوير وسائط دفع ووقود مناسب لظروف إيران، هدف آخر.
يبدو أنّ الصاروخ الدافع من سلسلة كافوش (المستكشف) ذو مرحلتين، وقادر حالياً على حمل 25 كيلوغراماً. وفيما لا تتوافر معلومات عن المحرك والوقود المستعمل، يغلب الظن أنه يستعمل الوقود الصلب، على الأقل في مرحلته الأولى، إن لم يكن في سواها.
إنّ وجود مرحلتين يؤكّد التطوّر الذي جرى منذ وضع «شهاب 3» في الخدمة العسكرية. وبينما يصل مجال سلسلة «شهاب»، من «شهاب 1» إلى «شهاب 6» حتى 1500 كيلومتر، يستطيع كافوش أن يقطع مسافات أطول، معظمها في حالة الحرب في أجواء مرتفعة، ممهّداً للرأس الحربي للانقضاض على الهدف.
ويجدر القول إنّ التقارير المتوافرة تفيد بأن إسرائيل لا تملك حتى الآن ما يمكّنها من منع صواريخ من سلسلة «شهاب» من السقوط على أهداف إسرائيلية، بينما تستطيع بواسطة نظام «آرو» أن تتصدى لصواريخ «سكود».
أن يكون هدف إيران من استخدام صواريخ بمرحلتين أو أكثر قصف جزيرة صقلية مثلاً، أمر صعب التصوّر. لكن ذلك لا يمنع إسرائيل وأصدقاءها من التبشير بالهلاك المبين، ونصح حكومة إيسلندا، في الدائرة القطبية الشمالية، ببناء ملاجئ على جناح السرعة لدرء خطر كافوش البيّن! والسبب جلي وواضح. لا تستطيع إسرائيل القضاء على مشاريع الفضاء الإيرانية وعلمائها ومهندسيها، وتفضّل أن يقوم أصدقاؤها بذلك بحجة أو بأخرى ـــــ كما فعلوا عن طريق تمزيق العراق مثلاً.
ومن ناحية دقة إصابة الهدف، يملك الباحثون الإيرانيون التكنولوجيا التي يظن بأنها استخدمت في سلسلة «شهاب»، وهي موروثة من التطوير الكوري المتوافر في إيران، والذي يسمح بإطلاق الرأس الحربي حلزونياً كما في طلقة البندقية. ويزيد ذلك من توازن القذيفة ويقلّل من تأثير العوامل المحيطة بها. وهذا أمر مهم، إذ إن صواريخ «سكود» التي سقط منها أكثر من 39 على إسرائيل، هي ذات دقة لا تقل عن ثلاثة كيلومترات، وتجعل منها وسيلة لاستهداف أماكن تجمّع لقوات العدو التي يصعب تحديدها عموماً خلال المعارك.
ولا شك في أنّ هذا الأمر واحد مما يشغل الباحثين في «مجمع الشهيد» الصناعي جنوب طهران. والمجمع المذكور هو أحد مجمعي البحث وتطوير الصواريخ والفضاء في إيران، ولا سيما للبحث في التحكم والتهديف ومجالات حربية أخرى من ضمنها القنابل الموجهة التي يبدو أن إيران مهتمة بشأنها لترفد أعمال المصممين والمهندسين في مجال الطيران الحربي، وبالأخص الطائرة الخلسية التي يُعدّون لها بحسب تصريح وزير الدفاع الإيراني.
ويجدر القول إنّ ما يتعلق بمراقبة الصواريخ وتتبّعها، وبالتالي التحكّم في مسارها على الأقل في المستقبل، لا يمثّل عائقاً كبيراً. فقد مارس العلماء والمهندسون الإيرانيون ذلك في تتبّعهم للقمر الصناعي الإيراني الأول الذي دُفع إلى مدار أرضي بواسطة صاروخ سوفياتي. ويبدو أن تلك الأجهزة من أصل صيني أو روسي، ولا شك في أنه يجري تطويرها لملاقاة الحاجات المستجدة.
إنّ أهمية إطلاق القمر الصناعي، وكلّ العمل في مجال الصواريخ ذات الدفع الذاتي في إيران، تهدف في المكان الأول إلى زيادة مجال الردع وتثبيته، فيما يتعلق بإسرائيل وأصدقائها. وذلك يمنع هؤلاء من ارتكاب عمل طائش أو أحمق قد يؤدي إلى عواقب صعبة التصور، ولا سيما أن إيران قد جهّزت، بحسب مصادر وزارة الدفاع الأميركية، لواءً للدفاع الصاروخي، تسليحه يتضمن 96 صاروخاً من طراز «شهاب»، مع الاحتفاظ بنحو 200 منها للاحتياط. وأنشأت مراكز محكمة تحت الأرض وفوقها لعناصر اللواء، إضافة إلى متابعة الإنتاج الخطي لسلاسل منتجاتها الصاروخية.
كذلك يؤدي نجاح البرنامج الإيراني إلى زيادة مستوى نقل التكنولوجيا أو المعدات، على أقل تقدير، إلى دول صديقة وقوى حليفة. ويزيد ذلك من الضغط على إسرائيل، علماً بأنه يتردّد أن صواريخ إيرانية قصيرة المدى، هي من جملة سلاح الصواريخ السوري.
من البديهي أنّ الطاقة الصاروخية المتفاقمة تشغل بال إسرائيل، كما تضع المخططين في الولايات المتحدة تجاه معطيات مختلفة عن تلك التي توافرت في العراق قبل الانقضاض عليه. ولا يستبعد المرء أن تكون الطاقة الصاروخية الإيرانية أحد أسباب إقلاع الرئيس السابق جورج بوش عن غزو إيران، بالرغم من أنّ ضغوط إسرائيل وأصدقائها في الكونغرس انتهت بعرض إسرائيل أن تقوم بالعمل منفردة من دون دعم أوّلي من قبل الولايات المتحدة.
* أستاذ سابق في جامعة ستانفورد الأميركية