يمتلك اللاجئون الفلسطينيون في لبنان العديد من العقارات العينية من شقق وأراضٍ، منها ما هو مسجّل في الدوائر العقارية، ومنها ما هو غير مسجل. لكن هذه الممتلكات لن تعود إلى الورثة في حال وفاة صاحبها، فمن يرثها إذن؟
قاسم س. قاسم
تدرَّجت التشريعات اللبنانية في ما يتعلق بتملك الفلسطيني على مدى عقود من وجود اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وذلك على وقع تطورات سياسية متوالية. ففيما كان باستطاعة الفلسطيني أن يتملّك كأي مواطن عربي، وفق ترخيص يعطى بمرسوم يُتخَذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير المال، وفق قوانين عام 1969 (تملك الأجانب)، عُدِّلت هذه القوانين عام 2001، لتمنع الفلسطيني بصورة غير مباشرة من التملّك، وذلك لوقوعه ضمن فئة «أي شخص لا يحمل جنسية صادرة عن دولة معترف بها» نص التعديل، أو «إذا كان التملّك يتعارض مع أحكام الدستور لجهة رفض التوطين». لكن بموازاة تغيّر القوانين على وقع التخوّف المتزايد من التوطين بسبب تعثّر حلّ قضيّة فلسطين، كانت هناك أجيال من الفلسطينيين تشتري وتتملك، واقعة شيئاً فشيئاً في إشكال قانوني يصعب الخروج منه. فماذا يفعل الفلسطيني الذي تملّك قبل 2001 إذا أراد أن يورّث أولاده بعد 2001؟ صحيح أنه يستطيع أن يبيع أملاكه، لكن المنفذ الوحيد هذا لا يوفّر له أو لأولاده أي نوع من الأمان. بل هناك أكثر من ذلك، فبعدما حاول الفلسطينيون أو بعضهم من حملة الجنسيات الأخرى الخروج من هذا الطريق المسدود قانوناً، وذلك عبر تسجيل الممتلكات باسم فلسطيني يحمل جنسية أخرى، بدا أن هناك تشدداً «غير رسمي» في تطبيق القانون حتى على هؤلاء. هكذا، تورد مجلة الدراسات الفلسطينية في عددها الصادر في ربيع عام 2002 تحت عنوان «الفلسطينيون في لبنان وتعديل قانون الملكية العقارية»، أن «هناك أوامر وقرارات عُمِّمَت وطُبِّقَت بصورة غير معلنة على موظفي السجل العقاري، وعلى كتبة العدل بالامتناع عن تسجيل» العقارات التابعة لأجانب من أصل فلسطيني. وبذلك تكون الدائرة قد أُقفلت تماماً أمام تملُّك الفلسطينيين، أو حتى توريث ممتلكاتهم.
السؤال الذي يفرض نفسه هو الآتي: إلى مَن تنتقل ملكية الفلسطينيين المتوفَّين وغير المتمكنين من توريثها لأولادهم؟ الجواب هو أن دار الفتوى الإسلامية هي الوارث الشرعي والوحيد للفلسطينيين في لبنان! والسبب أنهم مسلمون سنّة! أما المسيحيون منهم، فالدولة اللبنانية هي التي ترثهم، على اعتبار نص القانون القائل إنّ «الدولة ترث من لا وارث له».
ما هو الحل بالنسبة إلى الورثة؟ حتى الآن لا حل. فالناس بكل بساطة يتحايلون على القانون مسجّلين أملاكهم باسم قريب أو صديق «ثقة» لبناني، أو يبقون في أملاكهم من دون أي إثبات قانوني لحقهم في ذلك! وفي الحالين لا ضمان لهم بأملاك دفعوا ثمنها، الأمر المخالف لروح القانون وشرعة حقوق الإنسان. لكن، تجدر الإشارة إلى أنه حتى الآن، لم تُسجَّل أي حادثة صادرت فيها الدولة أو دار الفتوى الإسلامية بالقوة أملاكاً لفلسطينيين، وإن كان هناك من يقول إن «حصاد» نتيجة هذا القانون سيكون في المستقبل. مع العلم أن الدراسة التي نشرتها مجلة الدراسات الفلسطينية تقدر مساحة تملّك الفلسطينيين بـ 0,00001% من إجماليّ مساحة لبنان حتى عام 1993، ما يفتح الباب أمام التساؤل عن نسبة تصريح الفلسطينيين بأملاكهم.
ويقول أحد القانونيين الفلسطينيين الذي رفض التصريح باسمه إن مفعول القرار الذي ينصّ على عدم السماح للفلسطيني بتسجيل العقارات ليس لمنع التوطين، بل «لأن الدولة لا تريد أن تواجه أي عقبات كالتي واجهتها مع يهود وادي أبو جميل، لكونها لم تستطع التصرف بأملاكهم بحرِّية». كذلك فإنه في حال حدوث أي تسوية في المنطقة وقيام دولة فلسطينية وعدم إقرار حق العودة، فإن الدولة اللبنانية بطريقة التضييق هذه تدفع الفلسطينيين إلى الرحيل من لبنان. أما في حال عودة بعضهم إلى دولة فلسطين، فبذلك تكون عقاراته في لبنان قانوناً بحكم التابعة للدولة اللبنانية لأنها تكون قد أصبحت وقفاً وملكاً للدولة بسبب عدم السماح بتسجيلها في الدوائر العقارية.
هذا على الصعيد القانوني والتشريعي، أما على الأرض وبين اللاجئين أنفسهم، فما هو متداول أن «دار الفتوى عم ياخدولنا الشقق». ولدى السؤال عمّا إذا عرفوا أو سمعوا بأن أحداً ما صودرت شقته، يأتي الجواب بالنفي.
عندما تذكر الموضوع أمام أحمد محمود، من سكان برج البراجنة، يبادر إلى القول إن الدولة اللبنانية «بدها تورثنا بالحياة». لا يعرف محمود شيئاً عن تفاصيل القرار، غير أنه «صدر في عهد الحريري»، إلا أنه يقول إن ما يحصل هو «لتركيع الفلسطيني وإخراجه من البلد فقيراً». على عكسه، يدرك عدنان مصطفى تفاصيل القانون وكيفية الاحتيال عليه. فهو لديه «العديد من الشقق في عرمون، وكان عليّ أن أسجلها بأسماء أقاربي من ناحية زوجتي اللبنانية». كتب عدنان الشقق باسم أقارب زوجته، لكنّ استخدامها يقتصر عليه. وأخيراً، حاول أن يسجل شقة جديدة باسم شقيقه «الألماني، إلا أن الدولة ما إن عرفت بأصوله الفلسطينية حتى رفضت»، كما يقول. وفي حال وفاته، يعرف عدنان أن الوضع لن يتغير بالنسبة إلى أولاده الذين سيستفيدون من الشقق بطرق غير قانونية مثله. يشرح عدنان وضعه بوصفه مالكاً غير رسمي لأملاكه: «أثق بأقاربي، لكن في حال خروجنا من لبنان فالشقق ستكون لهم بحكم القانون، وإذا زعلت مراتي منّي وخبّرتهم رح تروح الشقق كمان لهم»، كما يقول ضاحكاً.


ماذا بعد حصر الإرث؟

مصدر في المحكمة الشرعية السنية التابعة لدار الفتوى، آثر عدم الكشف عن اسمه، أكدّ لـ«الأخبار» أن «الفلسطيني كأي لبناني مسلم سنيّ، يستطيع حصر إرث الملكية المتروكة له، ويورّثها، فهذا شرع الله». أضاف: «المحكمة ستلبّي طلبه، فعملها هو الأحوال الشخصية لأبناء الطائفة». أما تسجيل الملكيه لدى الدولة فـ«هذا خارج عمل المحكمة وهي غير ملزمة به». وعن مصير الملكية في حال عدم تسجيلها لدى الدولة سألت «الأخبار» مسؤولاً في دائرة الأوقاف فرد: «لا أعرف شيئاً»، سائلاً الله أن «لا يكون ما أسمعه صحيحاً، فهذه المرة الأولى التي أسمع فيها عن ذلك». علماً أن الدولة سمحت لبعض اللاجئين عام 2002 بتسجيل أملاكهم، ثم توقّفت.