محمد سعدقبل أربع سنوات مضت، دقائق وتعلن الساعة، الواحدة ظهراً...
في يوم من أيام بيروت، عاصمة الحرف والكلمة، مطبعة العرب... ومأوى الحرية، هزّ آذاننا وأرجف قلوبنا ضجيجٌ كأنه نعيقُ لملايين الغربان، لكوننا نسكن على أطراف أطراف بيروت الأبيّة. كان الصوت خافتاً، لحظات عصيبة وانتشر الخبر، انفجار مجرم وحشي أودى بحياة الرئيس رفيق الحريري.ساد السكون المشدوه لفترة، إشارات الأيدي والنظرات، وقسمات الوجوه، مظاهر بسيطة جداً لما خالج القلوب... أيعقل هذا؟
توزّع الحزن في أرجاء الوطن، وحلّ في كل بيت من لبنان، المستهدف غير عادي، حجم الحزن أكبر من حجم حركة الرجل الكبيرة أصلاً. حسّ إنسانيتنا طغى على ما عداه. أمام رهبة الموت، لا نريد أن نصدق، لم يسعفنا الواقع فالجريمة حقيقية. قتل الغيلة لا يقوم به إلا الجبناء.
مرت الأيام مُرّة وصعبة. تضامنّا بقلوبنا والأحاسيس مع العائلة المفجوعة. أثّر فينا الحزن العميق في عيني أرملة الرئيس رفيق الحريري شهيد الوطن.
ما بين الرابع عشر من شباط الأول، والرابع عشر من شباط هذا العام، مخاض لا يمكن معرفة مآله دون تمحيص. سُلب رفيق الحريري من نصف الوطن، واحتكر تاريخه النصف الآخر وهذا لا إنصاف فيه. فالرجل متعدد الأبعاد، أصبح يلزمنا جهد أكبر لنوضح للجمهور مكانته الحقيقية. لقد ضمت جوقة المحيطين من لم يقبل الرئيس مجرد اللقاء العابر بهم، وقد انتظروا مجرد موعد منه لأيام طوال، وفيهم من سبق تاريخ شباطنا المشؤوم هذا بفعلة مماثلة. لا بأس، فموجة أثارت الغبار بدأت، أقول ليت تم القفز عن التفاصيل وبعض الوقائع عند النصفين، وصولاً إلى ذكرى هذا العام، فبعض الخطب جاء قبلها ما يشدنا إلى أحاسيسنا الأولى، وبعضها يشدّ بعكس ذلك، تماماً كما هي قصة الحصان والعربة. لمن يثيرون الغبار مجدداً، سواء من خطباء الذكرى أو من بعض المحللين الذين واكبوا عبر وسائل الإعلام أقول: كونوا كالأعم الأغلب من الجمهور الذي احتشد، أو كونوا كصاحب الدم وبعض من معه في مدّ اليد بصدق وإخلاص حقيقي، أو اصمتوا، وذلك:
أولاً: لنحميَ لبنان رمزاً فريداً حباه الله بالمسيحية لتكون شرفته على العالم، وبالإسلام ليكون مثالاً للتسامح والمحبة.
وثانياً: لحفظ أمانة من ضحّوا بالدماء الطاهرة الزكية، ذوداً عن ترابه وخصوصاً في وجه من ردوا على يد الاعتدال العربي بالاقتراع لأيدي قتلة أطفال فلسطين ولبنان
والذين لا ينامون قبل أن يقطعوا أشجار الزيتون.