وقاية الفتاة من الفيروس المسبب لسرطان عنق الرحم هاجس يشغل الكثير من الأهالي، لذلك تجهد مؤسسات ومختبرات دولية للتوصل إلى لقاحات تبعد هذا الشبح. أخيراً، اعتمدت حول العالم حملات مكثفة للترويج للقاحي Gardasil و Cervarix، ما أثار تساؤلات عدد من الباحثين والعلماء
غادة دندش
منذ عام تقريباً بات لقاح Gardasil متوافراً في لبنان، ومنذ بضعة أشهر تبعه اللقاح الثاني Cervarix. هذان اللقاحان العالميان اللذان يُفترض أن يواجها فيروس الورم الحليمي البشري HPV المسبب الأساسي لسرطان عنق الرحم، يثيران موجة من الاعتراضات لدى بعض الاختصاصيين في مختلف بلدان العالم، ومن ضمنها لبنان. إن فيروس الورم الحليمي البشري بأنواعه السرطانية HPV16 18 و45 و31 وغيرها موجود في 99% من خزعات الأورام السرطانية المأخوذة من عنق الرحم. وبما أنه مرض تناسلي معدٍ بدرجة عالية، ووسائل الحماية منه كلياً غير متوافرة تقريباً، ولا علاج نهائياً له حتى اليوم، فقد نالت اللقاحات المذكورة آنفاً دعاية إعلامية غير مسبوقة. وقد أدّت هذه الحملات الإعلامية إلى «خلق جوّ من الرعب» بحسب بعض الخبراء، ودفعت بالأهالي في الكثير من الدول إلى المسارعة إلى تلقيح بناتهنّ دون التروّي ودراسة الموضوع مع الاختصاصيين بهدف الاستماع إلى مختلف الآراء. وتورد مجلّة Arznei- Telegramm الألمانية، التي تُعتبر من أكثر المجلات العلمية الأوروبية دقّة واستقلالية، مجموعة من المقالات والدراسات على صفحاتها منذ عام 2007 تعالج فيها وتنقل آراء وأبحاث اختصاصيين كبار يعتبرون أن الدراسات التي أُجريت على اللقاحين غير كافية، من حيث قدرتهما على تكوين حاجز حقيقي أمام الإصابة بالعدوى بعد مرور سنوات على تلقّيهما، والنتائج على المدى الطويل غير واضحة، ولا سيما بالنسبة إلى الـ Gardasil. وقد نشرت المجلّة الألمانية Suddentsche Zeitung في تشرين الثاني الماضي مقالاً عن عريضة رفعها 13 عالماً وطبيباً ألمانياً كبيراً ينتقدون فيها قرار الحكومة القيام بحملة تلقيح واسعة بالـ Gardasilوالـ Cervarix للفتيات في المدارس، ويذكّرون السلطات المختصّة بالغموض والجهل اللذين يحيطان معطيات عدّة تتعلّق بالآثار الجانبية الخطيرة لهذين اللقاحين وبمدى فعاليتهما مع مرور الوقت. أما الجريدة البلجيكية الفرونكوفونية الأولى Le Vif/ L>Express فقد نشرت على صفحاتها مقالين ينتقدان الحملة الإعلامية «المتوحّشة» بشأن اللقاحين المذكورين التي تؤدّي إلى خلق أجواء من الرعب لدى الأهل. أما في الولايات المتحدة، فقد وجّه المركز الوطني لمتابعة اللقاحات تحذيراً إلى السلطات الرسمية المختصة بضرورة التحقيق في حالات حصلت في تكساس وكولومبيا وعشرين مقاطعة أخرى، حيث تراوحت العوارض الجانبية لدى الفتيات الملقّحات بين أوجاع في الرأس ودوار وفقدان مؤقّت للنظر، إلى بعض حالات فقدان القدرة على الحركة. إن هذه التقارير، التي تُواجه بتعتيم إعلامي مشبوه، حرّكت الرأي العام الأميركي خاصة ودفعت الكثير من المؤسسات التي تُعنى بالصحّة العامة إلى طلب التروّي قبل اعتماد اللقاحين بشكل حملات مكثّفة، كما دعت إلى ضرورة إجراء مزيد من الدراسات والأبحاث عليهما.



أما في لبنان حيث الحملة لا تزال في بدايتها فتنقسم الآراء بين مؤيّد مطلق لاعتماد اللقاحين بشكل واسع، منذ سنّ التاسعة لدى الفتيات، وبين مدقّق حذر يفرّق في التعاطي بين اللقاحين ويدعو إلى استخدامهما في حالات محدّدة وفي مراحل عمرية أكبر. وتشرح الدكتور سهى بيطار الاختصاصية النسائية أن الدراسات أظهرت أن مفعول Gardasil ينخفض بعد سنتين من التلقيح ويختفي بشكل شبه كامل بعد مرور خمس سنوات على التلقيح، أما الـ Cervarix فترجّح بعض الدراسات أن قدرته على جعل الجسم يخلق الجسم المضاد، أي المناعة ضد العدوى، قد تستمرّ طوال خمسين عاماً، هنا تقول بيطار «نطرح السؤال المنطقي الذي يفرض نفسه وهو لماذا الاستعجال في تلقيح الصغيرات إذا كان مفعول اللقاح الأول سوف يختفي قبل أن يبدأن بأي نشاط جنسي؟»، وتوضح أن الـ Gardasil يستطيع الحماية ضدّ النوعين المسببين لسرطان عنق الرحم 16 و18، وليس له أي تأثير على الـ HPV 45 و31 وغيرها من أنواع الـ HPV السرطانية، فيما الـ Cervarix يغطي الـ16 و18، ولديه نوع من الحماية تجاه الـ45 و31. وتضيف بيطار أنها تفضّل التروّي واعتماد اللقاحات في سنّ أكبر، لا سيّما أن الدراسات أثبتت إمكان تلقّي اللقاح في أية سنّ وحتى بعد الإصابة بالفيروس، ولكن ليس بعد الإصابة بالسرطان. تؤيّد بيطار دراسة كل حالة على حدة، ففي حال وجود تاريخ من الإصابات في العائلة من الممكن تلقيح الفتاة في وقت مبكر نسبياً. وعن وسائل تحديد الإصابة بالعدوى، أكّدت بيطار على أهمية «فحص الزجاجة» حيث إن البلدان التي اعتمدته دورياً انخفضت فيها الإصابات بسرطان عنق الرحم بنسبة 60%. ولفتت بيطار إلى وجود فحص جديد نسبيّاً وهو الأدقّ حتى اليوم في كشف وجود الفيروس في الخلايا يُسمى فحص الـ PCR.