يتنبّه النقاد إلى التشويه الذي تلحقه الأفلام الهوليووية بصورة العربي، لكن الصوت لا يزال خافتاً في مواجهة الصورة التي تقدمها مسلسلات الكرتون والرسوم المتحركة عنا، والأسوأ أننا نترك أطفالنا ضحية لهذه البرامج، هكذا تترسخ في أذهانهم صورة مشوّهة عن هويتهم، كما تترسخ هذه الصورة في ذهن الطفل الغربي
خضر سلامة
في عالم الكرتون، كما في الأفلام الهوليوودية، تُقدم الشخصيات العربية وفق رؤية تلبسها ملامح أو قيماً منفّرة. تدّعي الشركات المصنعة لبرامج الأطفال أنها تبتعد عن الإيحاءات العنفية والجنسية والعنصرية والسياسية، لكن المدقّق في مضامينها يجد هذه العناصر الأربعة في شخصيات عربية، أو توحي بأنها عربية. شخصيات يحاربها البطل أو تستسلم أمام قيم الخير.
العربي كان ضحية تلفزيون الأطفال، احتكر هنا صورة الشرير السمين، ذي القلب الخالي من الرحمة، والغبي جداً! حيث توقع به دائماً الشخصية ذات الصفات المفصلة على المقاييس الغربية، فمثلاً، في «علي بابا باني» (إنتاج الخمسينيات)، يذهب باغز باني ودافي إلى بغداد، ليقعا هناك على مغارة مليئة بالكنوز، يدخل بعدها حارس المغارة «حسن» إلى الفيلم، يظهر بعمامته وغبائه المطلق، ولكنه حامل سكينه يحاول ذبحهما! أما بوركي، شخصية الكرتون الممثلة في خنزير صغير «لطيف» وعفوي، فهو سيحاول في «علي بابا، كلب الصحراء المجنون» إنقاذ الصحراء من خطر أصحاب اللحى السوداء، والحطات العربية، الأغبياء والمجانين والأشرار، يذهب إلى الصحراء في مهمة مفاجئة ناتجة من تلقي رسالة سرية باسمه من أحد الجواسيس!
علاء الدين الخارج من القصص الشعبية ومن المخزون الأدبي التراثي العربي، استُثمر أيضاً كبطل لمسلسلات كرتونية أُنتجت في الغرب. قليلون يتذكّرون الأغنية الافتتاحية لمسلسل علاء الدين التي أُطلقت عام 1992، كانت تبدأ بعبارات وإشارات يصعب على الطفل، أي المتلقي المفترض، أن يتحمل الصورة التي ترسمها. الأغنية الإنكليزية تعكس نزعة عنصرية حادة، نسمع علاء الدين يغني «أنا من بلاد يقطعون فيها أذنك... إذا لم يعجبهم وجهك!» ولولا اعتراضات منظمة Antidiscrimination لما تراجع منتجو السلسلة عن هذا المقطع.



علاء الدين في هذه السلسلة لص، أي إنه بعيد تماماً عن حقيقة علاء الدين في كتاب «ألف ليلة وليلة»، اعتُمدت بنيته الجسدية على مقاييس جسد توم كروز وأحد مغني الراب وتصاميم كالفين كلاين، حسب ما جاء في عدد مجلة التسلية الأسبوعية الصادر في 4 أيلول 1992، هو البطل هنا، ويساعده قرده «أبو» (وهي عبارة مجتزأة تشير إلى العرب عموماً، لعادتهم باعتماد ألقاب للرجال تبدأ بـ«أبو»)، القرد لص ومشاغب. يقع علاء الدين في غرام ياسمينة، الأميرة التي ترتدي ثياب جارية أو غانية، والتي يوشك أحد التجار في السوق، صاحب الملامح السمراء والسمين الحاقد، على أن يقطع يدها بسيفه (!!) قبل أن ينقذها علاء الدين، ليحاول لاحقاً كسب عاطفتها وعاطفة أبيها السلطان، مثال الحاكم الغبي العالق في بلاط قصره وألعابه الطفولية، فيما يسيّر وزيره الشرير «جعفر» الحكم ويحاول النيل من علاء الدين!
وتعيد كريستيان بلوفيلت من منظمة «جامب كات» لمراقبة الإعلام السينمائي، ترسيخ ظاهرة معاداة العربي في الكرتون الغربي إلى ظهور صورة التاجر اليهودي في «The small one» الكرتون المصنف معادياً للسامية، حيث يظهر اليهودي المفترض، الطماع المرابي، في لباس عربي وملامح سمراء ولحية صغيرة! ومن ثم، تشدد على أن الخطر على الطفل ليس محصوراً فقط في الكرتون، بل في الأفلام المصنفة على أنها قابلة للمشاهدة العائلية، بحجة أنها خاوية من العنف والجنس، بينما تحوي هذه البرامج رسالة واضحة، مقصودة أو غير مقصودة، العربي إما مشعوذ ساحر، أو جاهل محكوم كالخراف، أو غني أحمق، «رسالة عنف مستتر، عنف عنصري وعرقي وحضاري بشع، وكذب وتزوير، بين الكرتون والأفلام، يكون الطفل الناشئ هو الضحية الوحيدة، بسبب الصورة التي تتكوّن في وعيه عن هذا الكائن الغريب الذي نكتشف بشاعته عبر برنامجنا المفضل!» حسب البروفسورة في علم النفس الاجتماعي فرنسيس ريباي التي ترى «أنه كما استعمل النازيون البث السينمائي والإنتاج التلفزيوني لتصوير اليهود على أنهم خطر اقتصادي واجتماعي على ألمانيا، وكما استعمل الأميركيون السينما لتنمية العداء للشيوعية وللروس، فإننا سوف نكتشف بعد زمن أن السينما وبرامج الكرتون اللتين واظبتا على كي وعي المشاهد منذ قرن، كان لهما دور مهم في تسهيل تقبل الجماهير لبدعة نشر الديموقراطية والحضارة في الحروب في الشرق الأوسط، ولهما الدور الأهم في محاصرة محاولات التضامن مع الطفل العربي، هذا الطفل الذي أصبح، في لاوعي الكثيرين، مخلوقاً أقل قيمة تبعاً للصورة التي نعرفها عن ذويه منذ نعومة أظافرنا، أي منذ تفتحت عيوننا على التلفزيون»، وتضيف ريباي أن «الطفل الغربي أصبح يرى كل العرب مجرد نسخ أخرى لبن لادن أو صدام حسين، وذلك بسبب معطيات خاطئة مزورة تبثها مسلسلات وبرامج الأطفال والرسوم المتحركة، إنها معطيات قومية بدين واحد وتقاليد واحدة، كلمات غير مفهومة وغير عربية تنطق بها الشخصيات، وتعتبر عربية لمجرد كونها غريبة ومضحكة النغمة، نساء العرب في هذه البرامج إما راقصات، وإما مكوّمات في أكياس من السواد، ورجالهن أغبياء خاسرون دوماً!».
إذاً، هكذا صنعت ديزني وأخواتها أجيالاً معبأة إما بالجهل وعدم معرفة الآخر، وإما بالحقد أو الحذر في الحد الأدنى، من هذا الأسمر، ذي اللغة الغريبة، القادم إلينا نحن الأطفال في الليل ليدمر بلادنا وحريتنا وحضارتنا، أو الذي ينتظرنا في صحرائه بسكينه وحضارته القاسية المظلمة.


لعبت برامج الأطفال دورها في تطويع جماهير الغد لخيارات الإدارة السياسية، وكان العربي هو الضحية الأولى، والغائب الأول أيضاً عن تسجيل موقف مدوٍ حقيقي ليوقف تشويه تاريخه وحضارته، بل عمدت بعض دوائر الترجمة إلى استيراد هذا الكرتون ودبلجته وتقديمه إلى الطفل العربي نفسه دون أي تعديل أو نقد أو مراجعة!