اقترب شاب عشريني، صباح أمس، من سيارة عمّه الطيّار غسان المقداد، فوجد جثته داخلها مضرجة بالدماء: ثلاث رصاصات قتلته بعد نحو شهرين على مقتل شقيقه بطريقة مشابهة
أحمد محسن
كان محرّك السيّارة مشغّلاً عند السادسة والنصف من صباح أمس، وقد اتكأت جثة الطيّار في شركة طيران الشرق الأوسط غسان المقداد (54 عاماً) على المقود. المحرّك لم يتوقف عن العمل منذ العاشرة والنصف من مساء الليلة السابقة، داخل باحة منزل القتيل في منطقة الأوزاعي. المصابيح الأمامية لسيارة الباثفايندر السوداء كانت مضاءة هي الأخرى. وحدها جثة الطيّار المقداد كانت متوقفة عن الحياة، حتى اكتشفها ابن شقيقه.
يقول أفراد عائلة المغدور إنه كان في منزل شقيقه عند الساعة العاشرة مساءً، وهو أمر اعتاده الطيّار الخمسيني، وخاصة بعد وفاة أخيه. اتّجه غسان إلى أحد المطاعم القريبة واشترى بعض المأكولات، قبل أن يعود بسيارته إلى منزله الذي لا يبعد سوى عشرات الأمتار عن منزل شقيقه، حيث كان قبل التوجه إلى موته. فغسان المقداد لم يكن قد أطفأ محرّك سيارته ومصابيحها، حين عاجله قاتل مجهول برصاصات ثلاث في رأسه. بقيت السيارة على حالها حتى اكتشاف الجثة، وكذلك السندويشات التي اشتراها من المطعم. نافذة السيارة بقيت مفتوحة جزئياً، فيما الاحتمالات مشرعة على مصاريعها. المحققون لم يعثروا بعد على ما يمكن أن يكشف سر قتل الطيار غسان المقداد، الذي كان شقيقه محمد قد قتل بطريقة مشابهة قبل حوالى 5 أسابيع.
أحد أقارب القتيل قال إن آثار دراجة نارية كانت لا تزال موجودة صباحاً على الطريق الترابية قرب سيارة الطيّار، الذي كان من المفترض أن يقود إحدى الطائرات اليوم ويتابع دوام عمله كالمعتاد. وشدد شقيق للفقيد، أثناء حوار أجراه مع الصحافيين، على أن شقيقه قُتل عمداً، وقد تلقّى رصاصتين في الوجه، وأخرى خلف الرأس تماماً. وأكّد هذه المعلومات مصدر مطّلع على التحقيقات، مؤكداً أنّ رصاصتين لم تخرجا من رأس الضحية، بل استخرجهما الطبيب الذي شرّح الجثة، وسلّمهما إلى المحققين. ورجّح المصدر أن تكون الرصاصات من عيار 7 ملم، مشيراً إلى أن القاتل أطلق النار من مسافة قريبة جداً، من دون أن يكون قد ألصق مسدسه برأس ضحيته. بعد اكتشاف الجريمة وحضور القوى الأمنية، نُقِلت الجثة إلى مستشفى الزهراء، حيث من المفترض أن يأخذها أهل الفقيد في الخامسة من صباح اليوم، تمهيداً لدفنها في روضة الشهيدين في الساعة الحادية عشرة.
ولا يصعب اكتشاف الغضب العارم في وجوه آل الفقيد في باحة المنزل. تجمّعوا رغم صقيع أمس، وقد تجهّمت وجوههم من الصدمة، وخصوصاً أنّ شقيق الفقيد، محمد حسن المقداد، كان قد قتل قبل حوالى شهرين و10 أيام في ظروف مشابهة أمام منزله (وهو المنزل نفسه حيث كانت العائلة تقيم عزاءها). الأقارب والأصدقاء توافدوا إلى مكان الحادثة، وكان أوّل الواصلين منهم النائب علي المقداد، ثم عضو تكتل التغيير والإصلاح نائب منطقة جبيل (حيث تتبع قرية لاسا التي ينتمي إليها الفقيد) عباس هاشم، ثم النائبان عمار الموسوي وعلي عمّار. أحاديث كثيرة يتداولها المجتمعون في باحة المنزل. كان الفقيد طياراً مواظباً على عمله في شركة طيران الشرق الأوسط منذ 32 عاماً. وفيما أعلن أهله أنه «بلا أعداء»، رجّح مسؤولون أمنيون تحدثوا لـ«الأخبار» أن تكون حادثة مقتل الطيّار المقداد «مرتبطة ببعض التحركات التي كان يقوم بها بحثاً عن قتلة شقيقه». ويقول أحد أشقاء المقداد، في هذا الإطار، إن التحقيقات لم تتقدم نهائياً منذ قتل شقيقه حتى الآن، و«ها هو غسان يُقتل غدراً داخل حرم منزله اليوم». يقف الشقيق مستغرباً، يحدّق إلى الشارع القريب ويقول «ليس عندنا مشاكل مع أحد».
وفي سياق مواز، علمت «الأخبار» أن منزل الفقيد كان قد تعرّض للسرقة منذ بضعة أسابيع، وهو ما أكّده أشقاؤه، الذين أضاف أحدهم أن منزله تعرّض أكثر من مرة للسطو، بحكم سفره الدائم. ولفت أحد أقاربه إلى أن السرقة الأخيرة شملت مسدساً حربياً يملكه غسان.
«لو اكتُشفت الجريمة الأولى لما وقعت الثانية»، يشير شقيق للقتيلين، ويردف أن جريمتين في منزل واحد، في أقل من شهرين، «أمر لا يمكن القبول به مهما كانت الاعتبارات». لكنّ شقيق الفقيد لم يفقد إيمانه بالدولة ومؤسساتها، فأعلن بصوت عال أمام جمع المعزين والصحافيين أن عائلته، «رغم كل شيء، تضع ثقتها في الأجهزة الأمنية لكشف القتلة». هذا لا ينفي أن العائلة غاضبة مما وصفته بـ«تقاعس الأجهزة الأمنية والقضائية عن أداء واجباتها، وكشف أي تفصيل ولو بسيطاً، أو خيط رفيع يتعلق بمقتل محمد منذ أكثر من شهرين». «يشتغلوا شوي»، يقول شقيق آخر للفقيد، ويلمّح إلى أن العائلة لا تستطيع السكوت أكثر من ذلك إذا بقيت الأمور على حالها. وفي تجاوب رمزي مع هذه التلميحات، كان بعض الشبّان من عائلة المقداد وأهل المنطقة قد تجمهروا في الحادية عشرة قبل ظهر أمس أمام منزل الطيّار المقداد، حيث وقعت الجريمة، وحاولوا قطع الطريق بإحراق الإطارات. نجحوا في ذلك لبعض الوقت، قبل أن تقوم قوة من فوج التدخل الرابع في الجيش اللبناني بفتح الطريق. وكانت ساعات الصباح الأولى قد شهدت اعتصاماً مماثلاً أمام منزل العائلة، أسهم أهل الفقيد في إقناع الشبّان بالعودة عنه بمساعدة النائب علي المقداد.


العائلة تريد العدالة

عقد النوّاب الذين شاركوا أهل الفقيد العزاء مؤتمراً صحافياً، في منزل العائلة، تخلله كلمة لوالد الطيار المغدور، حسن المقداد (الصورة). غزا الحزن تجاعيد الوالد «أبو طعّان»، أحد وجهاء آل المقداد، لكنه تمالك نفسه، رغم خسارته ابناً ثانياً بعد شهرين على خسارة الأول. لم يُطل الوالد في كلمته التي لم تتجاوز دقيقة واحدة. شكر النوّاب على مواساتهم بمصاب العائلة. لا يريد سوى معرفة القاتل.. و«كل ساعة لها ملائكتها»، ختم حديثه.