روني عبد النورخلال فصل الخريف الماضي، طُرحت نسختان من علبتَي الفيديو Little Big Planet وSpore، وفي فترة لم تتعدّ شهراً واحداً، حطّمت مبيعات اللعبتين جميع الأرقام، وتخطّت معظم التوقعات. يتّفق المراقبون على أن هاتين اللعبتين تمكّنتا من تشجيع اللاعبين على الإبداع واستخدام الخيال. تزوّد اللعبتان مستخدمهما بكل الوسائل لبلورة إبداعه بأبهى حلله. إذ صار يمكن اللاعب، الذي يُمنح ما تجوز تسميته «القدرة على الخلق»، أن يشكّل شخصيات غريبة الأطوار، وأن يطرق أبواب فضاء رحب من الاحتمالات والسيناريوهات.
Spore هي من بنات أفكار المبدع ويل رايت، وقد طوّرتها شركة Maxis وتُستخدم في نظامي PC وMacintosh. وهي تسمح للاعب بالتحكّم بأسلوب نمو المخلوقات، بدءاً من كونها مخلوقات اجتماعية ذكية، وصولاً إلى بلوغها مستوى الاستكشاف ما بين النجوم وثقافة الارتحال الفضائي. وقد حازت اللعبة انتباهاً لافتاً بسبب المجالات اللامحدوة التي تكتنفها. فهي تجعل اللاعب بمثابة إله في حضارة بين مجرّية، قادر على أن يطوّر كائناً وأن يتحكّم بنموّه منذ اللحظة الأولى أي منذ أن كان مخلوقاً أحادي الخلية.
Little Big Planet التي جرى الإعلان عنها عام 2007 في مؤتمر مصمّمي الألعاب الإلكترونية في سان فرانسيسكو، وطوّرتها شركة Media Molecule البريطانية. تتميز اللعبة، التي تعتمد أيضاً على التكنولوجيا الإجرائية ذاتها، بطريقة العرض والرسوم والصوت وبخصائص التكيّف الواسعة. تدور الفكرة حول سيطرة اللاعب على الشخصية المجسّدة Sackboy وSackgirl، وهما عبارة عن صفيحة قنّبية يمكن تبديل خصائصها، وإضافة الكماليات عليها، وصبغها بطابع معيّن لتتناسب مع رغبة المستخدم، ولكن لا يمكن أساساً تغيير قدراتها أو طبيعتها. فالشخصية تركض، تقفز، تتشبث، تحبط الكمائن وتسجّل النقاط كما يحصل في أية لعبة أخرى. ولكن، Sackboy وSackgirl يلعبان دور بانيين للأكوان.
اللافت أن جوهر اللعبتين لا يتعلق بالحتمية الداروينية، بل بابتكار اللاعب لمخلوقه من خلال الاستعانة بمروحة واسعة من الأدوات التي يستطيع الحصول عليها في أي وقت من خلال شبكة الإنترنت، وبمساعدة جماعة المستخدمين الآخرين. فالخصائص تتنوّع من شكل الفم، إلى عدد الأقدام والأجنحة والعيون، إلى كون المخلوق آكلاً للحوم أو للأعشاب، واللائحة تطول. وعلاوة على ذلك، تتفاعل أعضاء الكائن والتعديلات التي تطرأ عليها مع الأعضاء الأخرى وتؤدّي وظائفها بالتعاون في ما بينها. فتطوّر المخلوق يرتبط مباشرة باتّساق تفاعلاته ومستوى كفاءته. وعملية الخلق هذه تعني أيضاً تحمّل المسؤولية، إذ على اللاعب الذي يُشبّه بفرانكشتاين، أن يدرك أن إتقان أسلوب الخلق يرسم معالم اللعبة برمّتها.
يقول ماثيو باستيران، مدير الإنتاج لدى Electronic Arts، إن هذه الألعاب لا تشتمل على نماذج محددة سلفاً أو على تصرّفات نمطية. فقد تمكّن المبرمجون من تصميم أنظمة تتكيّف تلقائياً مع قرارات اللاعب المشغّل وتقوم بتحديد التصرفّات المعقولة التي تنطبق على خصائص المخلوقات المتنوعة، ما يجعل الاحتمالات غير محدودة تقريباً.
هذا النوع من الألعاب يسمح للمرء بأن يطلق العنان لأفكاره الذاتية، ومن ثم يقوم بإرسالها للآخرين، إذ إن تقسيم الأدوار والعمل الجماعي يقعان في صميم قانون اللعبة. فالنسخة الأساسية من Little Big Planet وفّرت 50 مستوى مختلفاً للعب، وبعد مرور أربعة شهور على صدورها، يتوافر الآن أكثر من 30 ألف مستوى على الإنترنت مرشّحة للتزايد يومياً. أما Spore، فتشهد حالياً تداول حوالى 69 مليون مخلوق مختلف على الشبكة. لهذه الأسباب مجتمعة، ثمّة من يتحدّث عن ثورة «ألعاب الخلق» المقبلة.