طرابلس ــ عبد الكافي الصمدأمام مركز توزيع بطاقات الهوية داخل سرايا طرابلس، أطلقت سيدة تبدو في الستينيات من عمرها «زغرودة» هزّت قوّتها جوانب المركز، وجذبت أصداؤها أنظار المواطنين المحيطين بها، ينتظرون مثلها، آملين الحصول على بطاقات الهوية التي تقدموا بطلب الحصول عليها سابقاً.
فقد تسلمت إيمان الخطيب أخيراً بطاقة هويتها الجديدة، قبّلتها ووضعتها فوق رأسها، صارخة من الفرحة كأنها تحدث نفسها بصوت عال: «الحمد لله، صار معنا هوية لبنانية».
على عكس ما استنتج بعض من كانوا حولها، لم تعن ردة فعل الخطيب أنها لم تكن لبنانية قبل تسلمها البطاقة. التباس سرعان ما أوضحته بنبرة اعتزاز واثقة حين ردت على استفسارهم عن سبب بهجتها: «أنا لبنانية أباً عن جد، لكنني حصلت اليوم على الهوية بعد أكثر من سنتين على تقديم الطلب. هلق صار فيّي إنتخب».
لكن مشهد الفرح هذا يمثّل استثناءً في مقابل مشاهد التململ المتكررة للمصطفّين يومياً بانتظار دورهم في طوابير طويلة، بينما تقتصر «الموسيقى التصويرية» على أصوات تذمرهم وتأففهم من كثرة التعقيدات التي تعترضهم خلال قيامهم بالإجراءات اللازمة، وخصوصاً إن تبيّن أن طلباتهم غير مستوفية الشروط، وأن عليهم معاودة الكرّة ثانية، وبالتالي، العودة للقيام بالإجراءات من أولها، أو النزول إلى بيروت لمعالجة المشكلة سريعاً قبل انتهاء مهلة التقديم أواخر الشهر الجاري.
فقد بات مشهد زحمة المواطنين مألوفاً أمام مركز تقديم الطلبات الذي استحدث أخيراً، وأصبح لجلبة أصواتهم موعد متكرّر كل يوم في الباحة الأرضية من السرايا. هناك من يشكو عدم التزام البعض بالوقوف في الصف. «حتى بتقديم طلبات الهوية في خط عسكري»، يقول أحدهم معترضاً بنبرة ساخرة، دون أن يلتفت إليه عناصر الدرك المكلفين تنظيم الأمر، أو أن يؤازره أحد من الحاضرين. أما الشكاوى الأخرى، فتتعلق بفقدان المتقدم بالطلب لدوره ما إن يلاحظ الموظف المسؤول نقصاً في الأوراق والمستندات المطلوبة (وهي عبارة عن إخراج قيد جديد وصورتين شمسيتين)، إذ يضطرّ المتقدم بطلب الهوية إلى الذهاب واستكمال ملفه قبل أن يعود ويقدّم طلبه من جديد.
ومع أن معالم الفرح تبدو واضحة على وجوه من قُبل ملفهم وحصلوا على إيصالات الهوية، ظنّاً منهم أن موعد حصولهم عليهم قد اقترب، فإن المشهد ينقلب رأساً على عقب في مركز التسليم الذي لا يبعد سوى أمتار قليلة عن مركز التقديم. فهناك، تحتل الجدران عشرات الأوراق التي تحمل أرقام الطلبات المتسلسلة، مع الإشارة إلى قبولها لو أنها قبلت، أو لرفضها في الحالات الأخرى، مع ذكر سبب الرفض.
«نسبة الرفض تفوق النصف»، يقول أحد الموظفين، مبرراً ذلك الذي يطال النساء «بخلل في البصمات لديهن، نتيجة كثرة استخدامهن لمواد التنظيف التي تسهم في محو معالمها. لا خيار أمام هؤلاء النساء سوى النزول إلى بيروت لفحص بصماتهن على آلات إلكترونية، بدل أن يتم الأمر يدوياً كما يجري هنا».


إذا بان السبب، بطل...

تعود مشكلة الازدحام في مركز تقديم طلبات الهوية الجديدة في طرابلس، إلى أن سكان قضاء المنية ـ الضنية يعتمدونه مركزاً وحيداً، بينما يسوّي بقية سكان الأقضية الشمالية أوضاعهم في السرايا المحلية التي يتبعون لها إدارياً. وبما أن قضاء المنية ـــــ الضنية لم يباشر العمل بعد بسراياه الجديدة لأسباب إدارية، بقيت سرايا طرابلس ملاذ مواطنيه الإداري الوحيد. لكن هذا الوضع الاستثنائي لم يلق حتى الآن اهتمام وزارة الداخلية لمعالجته، وخصوصاً لجهة إرسالها واحدة من المعدات الإلكترونية الحديثة الـ12 لأخذ البصمات، التي قيل إنها وصلت من ألمانيا، لحل المشكلة وتوفير المشقة والوقت على المواطنين.