يقبل المستهلكون بكثافة على وجبة السوشي اليابانية المكوّنة من أرز وسمك نيء، لاعتبارهم أنها أكثر الوجبات صحية. إلا أن الدراسات العلمية تحمل لهم مفاجآت سيئة، ما يوجب تنبيههم إلى سيئاتها على صحتهم وعلى البيئة
إعداد: رنا حايك
لا ينحصر الرّواج الذي تلاقيه وجبة السوشي على السوق اللبنانية. فخلال السنوات العشر الأخيرة، أصبح السوشي غذاءً عالمياً، وسيطرت سلسلة المطاعم التي تقدمه على سوق الغذاء من سيدني إلى لوس أنجليس، مروراً ببيروت. كذلك، تتخطى أسباب نجاح هذا الطبق عوامل جاذبية مستمدة من تعدّد ألوانه وشكله المنمق، لتطال اقتناع المستهلكين بمردوده الغذائي والصحي العالي مقابل انخفاض سعراته الحرارية. إلا أن الدراسات الحديثة قد أثبتت عدم صحة هذه الاعتبارات.
فقد ظهر أن بعض أنواع السوشي تحتوي على خلطة من المواد الكيميائية ومن المعادن الثقيلة والمبيدات ترتفع احتمالات تسبّبها لدى مستهلكيها بخفض معدلات الذكاء والخصوبة، وحتى بالأمراض السرطانية.
فالسلمون والتونا اللذان يعتبران من أكثر الأسماك المستخدمة في إعداد السوشي شعبية، هما نتاج مياه ملوثة وتربية مزارع، تؤدي إلى احتوائهما على مادة الزئبق ومواد كيميائية أخرى بالغة الخطورة صحياً، كمادة الدايوكسين والمبيدات.
بعد أن تستهلك، تترسّب هذه المواد السامة في الأجساد لعقود، لتخفّض نسبة خصوبتها، وتعمل باطّراد على إضعاف جهاز المناعة فيه لتزيد من احتمالات إصابته بالأمراض السرطانية.
في دراستهم الصادرة حديثاً، تطرّق البروفسور دايفيد كاربنتر وفريقه من جامعات كورنيل وإنديانا وألباني في الولايات المتحدة إلى معدلات السموم العالية التي يحتويها سمك السلمون. وقد أظهرت هذه الدراسات أنه من بين 15 نوعاً من السموم التي ثبت وجودها بنسب عالية في سمك السلمون، تتسبب 13 منها بالسرطان. كما ثبتت علاقة هذه السموم بتدهور الخصوبة عند الرجال وبازدياد التشوهات الخلقية لدى الأطفال الحديثي الولادة، بسرطان الثدي والخصيتين، وبنزيف الرحم والبلوغ المبكر.
إن النتائج التي خلص إليها فريق الدكتور كاربنتر بعد إعدادهم الدراسة التي تعتبر الأهم والأكبر حتى الآن في هذا المجال، قد أذهلتهم حين اكتشفوا «أن الملوّثات الموجودة في الأسماك غالباً ما تفوق إلى حد بعيد فوائده الصحية. وبينما يعتقد الناس أنهم، بتناولهم الأسماك، يستهلكون طعاماً صحياً، تظهر الوقائع العلمية أنهم يسمّمون أنفسهم». دفع هذا الواقع بهم إلى اتّباعهم الدراسة بتوصيات للمستهلكين بعدم تناول سمك السلمون الذي يُنتج في المزارع بمعدل يفوق مرتين خلال السنة.
مثل السلمون، يعتقد مستهلكو السوشي المعدّ من سمك التونا أنهم يتناولون غذاءً مفيداً وصحياً، لما تحتوي عليه سمكة التونا من الحوامض الدهنية أوميغا 3، إلا أن ما يجهلونه، هو أن التونا، بدوره، يحتوي على نوع من الزئبق الشديد السّمية. وفيما تنحصر مفاعيل التسمم بالزئبق لدى البالغين بشعور بالوخز والطفح الجلدي، أو بالغثيان والشحوب، تصيب هذه المادة الأطفال والأجنّة بأعراض شديدة الخطورة كتقليص معدلات ذكائهم والتسبب باضطرابات مسلكية لديهم.
ولا تقتصر المشاكل المحيطة بأسماك التونا والسلمون على الحيّز الصحي، بل تصل أيضاً إلى الحقل البيئي.
فبسبب ارتفاع الطلب على التونا من محبّي السوشي، تُصطاد هذه السمكة بكثافة إلى حد التهديد بالقضاء على صنفها نهائياً. هذا ما يحدث في البحر الأبيض المتوسط خصوصاً، حيث تعمل أساطيل مراكب الصيد العملاقة، المجهزة بأحدث وسائل التكنولوجيا العالية، على اصطياد كميات كبيرة من التونا الزرقاء
الثمينة التي يتخطى سعر الواحدة منها في السوق الياباني مبلغ 100 ألف دولار أميركي.
ولا ينحصر سوء تبعات الصيد الكثيف في تدمير مستعمرات التونا الهشة أصلاً، بل إنها قد تصل إلى التسبب في انقراض أصناف أخرى من الأسماك والمخلوقات البحرية مع الوقت، إذ تعلق سنوياً آلاف السلاحف والحيتان وطيور البحر والدلافين في الشباك المرمية لاصطياد التونا.
أما بالنسبة للسلمون، فإن لإنتاجه في مزارع تبعات بيئية في غاية الخطورة: فهو يربّى في حظيرة مائية تحدّها الشباك، وينتج آلاف الأطنان من البراز الذي يلوث المياه وينتشر في المحيط وسط الأسماك الأخرى، بينما تنتشر معه أيضاً المضادات الحيوية والأدوية الأخرى التي تستخدم لتطهير محيطه الملوّث، ما ينتج كائنات مرضيّة مقاومة للأدوية.
دفعت مجمل هذه المشاكل ببعض الخبراء إلى استنتاج ارتفاع كلفة الاستمتاع بوجبة من السوشي، ما أدى ببعض منظمات الحماية البيئية إلى إصدار إرشادات للمستهلكين تصنّف أنواع السوشي بحسب نوع السمك المستخدم لإعداده، المصطاد البري أو الذي يُنتج في مزارع تضرّ ببيئة المحيطات وبصحة المستهلك.