حال فقدان نصاب مجلس النواب دون دراسة جميع اقتراحات القوانين المدرجة على جدول الأعمال. ربما هو الخوف من اقتراح قانون محاكمة الرؤساء والوزراء، وربما سعر البنزين، أو ربما انفضّ المشرّعون فقط لأن وقت الغداء حان
حسن عليق
انفرط عقد النصاب في مجلس النواب أمس عندما باشر ممثلو الأمة مناقشة اقتراح القانون المتعلق بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، فرفع رئيس مجلس النواب نبيه بري الجلسة، معلناً عقد جلسة تشريعية يوم 19 آذار المقبل. وقبل فقدان النصاب، كان النواب قد أقروا 5 قوانين، يتعلّق الأول بالاستدانة لتأهيل طريق الحازمية صوفر، فيما يزيد الثاني مساهمة لبنان في صندوق النقد الدولي، ويتيح الثالث تنظيم المجالس الأكاديمية في الجامعة اللبنانية. أما القانون الرابع، فيتعلق بترقية مفتشين في المديرية العامة للأمن العام من رتبة مفتش ممتاز وما فوق إلى رتبة ملازم، مع فتح دورة لترقية عدد من الرتباء الذين كانوا قد اعترضوا أمام مجلس شورى الدولة على نتائج المباراة التي سمحت بترقية زملائهم. وفصل القانون الخامس قرية دعبل عن قرية قرحيا في قضاء المنية ــــ الضنية.
أكثر النقاشات حدّة كانت خلال مناقشة اقتراح القانون المتعلق بمفتشين من الأمن العام، إذ نتج منها خروج كل من وزير الداخلية زياد بارود ووزير الدولة إبراهيم شمس الدين غاضبَين من قاعة المجلس، كل على حدة. فاقتراح القانون المذكور يتعلق بترقية مفتشين إلى رتبة ملازم بعدما كانوا قد فازوا بمباراة أعلنت نتائجها يوم 24/2/2007. وبعد نحو عام، بدأ هؤلاء يمارسون مهمّاتهم برتبتهم الجديدة. ولاحقاً، تقدّم زملاؤهم الذي لم يفوزوا في المباراة بطعن أمام مجلس شورى الدولة، طلبوا فيه إلغاء نتائج المباراة بسبب تغيير شروط المباراة بعد بدئها، فقبل مجلس الشورى الطعن المذكور يوم 22/1/2009. ومع بدء مناقشة الاقتراح الذي تقدّم به النائب علاء الدين ترو ووقعه نواب من مختلف الكتل النيابية، أشار النائب روبير غانم إلى ضرورة احترام قرار مجلس شورى الدولة، وهو الرأي الذي أيده الوزير إبراهيم شمس الدين. وهنا أشار بارود إلى أن رئيس الحكومة هو من يتولى التصريح باسم الحكومة. وبعد أخذ ورد، طلب النائب بهيج طبارة إحالة الاقتراح على لجنة الإدارة والعدل لمدة أسبوع فقط بهدف التأكد من عدم وجود تعارض بين القانون وقرار مجلس الشورى، احتراماً لمبدأ فصل السلطات. إلا أن الرئيس نبيه بري أكّد أن قرار مجلس الشورى لا يستهدف الرتباء الفائزين، مشيراً إلى أن العدالة تسمح لمجلس النواب بإنصاف الرتباء. وطلب بري سماع رأي رئيس الحكومة فؤاد السنيورة فقال له الأخير: تستطيع أن تشرع كيفما شئت، فقال له بري: يا ليتك تطبّق ما نشرعه. وبعدما بدا رئيس الحكومة موافقاً على الاقتراح، عاد الوزير شمس الدين ليقول إن الأمر لم يبحث في مجلس الوزراء وبالتالي فإنه غير موافق على رأي السنيورة. وهنا رد عليه بري قائلاً: أنت تجبرني على أن أدافع عن رئيس الحكومة، لكن الأخير هو من يتحدّث باسم الحكومة خارج مجلس الوزراء. عاد شمس الدين ليشدد على ضرورة احترام قرار مجلس شورى الدولة وعدم الالتفاف عليه، قبل أن يغادر الجلسة حانقاً. وخلال تحدّث الأخير، جمع وزير الداخلية ملفاته في محفظته وخرج من القاعة. بعد ذلك، طلب النائب بطرس حرب إضافة فقرة إلى اقتراح القانون تتيح إجراء مباراة محصورة بمن تقدموا بالطعن، وطرح الأمر على التصويت فصدّق.
وبعدما سقط اقتراح القانون الرامي إلى الإجازة للمديرية العامة للأحوال الشخصية تسجيل الولادات الحاصلة خلال الفترة الممتدة من تاريخ 1/1/2005 ولغاية 30/6/2008، بدأت مناقشة اقتراح قانون محاكمة الرؤساء والوزراء. وكانت المداخلة الأبرز للنائب بطرس حرب الذي أجرى مقارنة بين الاقتراح اللبناني والقانون الفرنسي الذي يجيز لأي مواطن التقدم بشكوى ضد وزير أو رئيس حكومة، فيما اقتراح القانون اللبناني يحصر حق الادعاء بثلثي أعضاء مجلس النواب، مما يؤدي إلى إعطاء حصانة للوزراء والرؤساء، «كأننا نقول إن هناك طبقة من اللبنانيين هي فوق القانون». ورأى حرب أن اقتراح القانون كما هو يؤدي إلى التشجيع على الفساد والرشوة واختلاس المال العام، إذ إنه يمنح امتيازات غير موجودة في أي من الأنظمة الديموقراطية.
بعد ذلك، رفع رئيس المجلس الجلسة بسبب فقدانها النصاب، فيما كان جدول الأعمال يضم 6 اقتراحات أخرى لم تناقَش، أبرزها المقدم من النائب ميشال عون، والمتعلق بتحرير سعر صفيحة البنزين وخفض الرسوم عليها وإعفائها من الضريبة على القيمة المضافة.


فتوش ولعنة اللبنانيين

خلال مناقشة اقتراح قانون محاكمة الرؤساء والوزراء، رد النائب نقولا فتوش على مداخلة النائب بطرس حرب القانونية، فاستحضر طائفة رئيس مجلس الوزراء، من دون أن ينسى المعزوفة المعتادة عن تأييده إلغاء جميع الامتيازات، قبل أن يبدي رأياً طبقياً عن ملاحقة الرؤساء والوزراء عبر القول: «من غير المعقول أن تكون ملاحقة رئيس الحكومة أمراً شعبياً، populaire، وأن يصبح رئيس الحكومة أسير المخافر». وختم فتوش كلامه بالقول إن «مستكتبة أميركية قالت قبل نحو 48 عاماً إن لبنان جنة الله على الأرض، لكنه مصاب بلعنة أبنائه».