عمار تقي *تحل على البحرين في مثل هذه الأيام، الذكرى الثامنة لقيام «ميثاق العمل الوطني» الذي صوّتت عليه الغالبية الساحقة من الشعب البحريني في عام 2001. فقد استطاع «الميثاق» أن يطوي صفحة طويلة من تاريخ البحرين السياسي الذي امتد نحو 3 عقود، شهدت خلالها انقلاباً على دستور 1973، وتحوّلت معها البحرين إلى سجن كبير في ظل قانون أمن الدولة آنذاك.
لكن منذ عام 2001، والساحة البحرينية تشهد انفراجاً سياسياً «نسبياً» بعد إعلان الدولة، عبر ميثاق العمل الوطني، عن مشروعها الإصلاحي الذي تمثل بعودة الحياة البرلمانية والعفو العام الذي صدر عن سجناء الرأي، وإلغاء العمل بقانون أمن الدولة؛ الأمر الذي مثّل نقلة نوعية في المملكة بعد الفترة المضطربة التي عاشتها البحرين طيلة العقود الثلاثة الأخيرة والتي وصلت إلى أوجها في التسعينيات.
«الميثاق الوطني» الذي تعيش البحرين ذكراه الثامنة في مثل هذه الأيام، أكد العديد من الأهداف والثوابت التي استطاعت أن تستقطب غالبية البحرينيين. إذ ركز الميثاق، على ضرورة «التطلع نحو مستقبل مشرق ملؤه الحرية والمساواة وركيزته العدالة وقاعدته المشاركة الشعبية لكل فئات الشعب».
وورد ضمن أهداف «الميثاق»، أن العدل أساس الحكم، وأن تكفل الدولة المساواة وسيادة القانون والحرية والأمن للجميع. لكن السؤال المطروح أمامنا اليوم هو: هل تحققت تلك الأهداف والثوابت التي ارتضاها البحرينيون بعد مضي ثمانية أعوام على قيام «الميثاق الوطني»؟
لا شك بأن المبادرة الإصلاحية التي تجسدت في قيام ميثاق العمل الوطني، قد أحدثت نقلة نوعية في العملية الديموقراطية البحرينية، وأوجدت حراكاً سياسياً نشطاً منذ عام 2001، تجسد في بناء جسور الثقة بين السلطة والمعارضة.
لكن خلال الأعوام الثمانية الماضية، شهدت البحرين العديد من الاضطرابات والأحداث السياسية الساخنة التي أدت إلى تزعزع تلك «الثقة» التي قام على أساسها «الميثاق الوطني»! الشواهد على تلك الأحداث المضطربة التي مرت على البحرين في الأعوام الأخيرة عديدة؛ نذكر منها على سبيل المثال: مشروع قانون الإرهاب الذي قدمته الحكومة، والذي يمثل تعدّياً صارخ على الحريات العامة التي كفلها ميثاق العمل الوطني، حيث ركز المشروع في بعض مواده على إنزال عقوبة الإعدام والحبس والغرامة لكل من أنشأ أو أدار منظمة تدعو لتعطيل مؤسسات المجتمع المدني! ثم جاء قرار الحكومة بإغلاق نادي العروبة، بعد ذلك جاء اعتقال نائب رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان عبد الهادي الخواجة، الأمر الذي مثّل انعطافة سلبية أخرى للمسيرة الديموقراطية البحرينية.
ثمّ كان قرار وزارة الشؤون بإغلاق جمعية العمل الإسلامي لمدة 45 يوماً، بسبب إقدام الجمعية على تكريم مجموعة من السجناء والشهداء الذين قضوا إبان العهد السابق! تلت ذلك مسيرة «العاطلين عن العمل» الحاشدة التي استخدمت فيها قوات الأمن أقصى أشكال العنف بحق المتظاهرين الذين خرجوا للمطالبة بحقهم في العيش الكريم. وقد أدى ما جرى في ذلك اليوم الدامي، إلى مزيد من حالة الاحتقان والتوتر في الشارع. بعدها شهدت البحرين فصلاً جديداً من فصول التوتر السياسي، إثر تقديم الحكومة قانون «الجمعيات السياسية» الذي لقي اعتراضات واسعة من الجمعيات السياسية وجمعيات حقوق الإنسان البحرينية ومؤسسات المجتمع المدني. وكان العامل الأبرز في ارتفاع حدة الاحتقان السياسي، تهديد الحكومة بإغلاق جمعية الوفاق الوطني الإسلامي (كبرى الجمعيات السياسية في البحرين)، على أثر المسيرة السلمية التي نظمتها الجمعية والتي دعت إلى إجراء تعديلات وإصلاحات دستورية، حيث شارك فيها للمرة الأولى ما يقارب 50 ألف مواطن تحت شعار «الإصلاح الدستوري أولاً»!
لكن خلال الأسابيع الماضية، ارتفعت إشارة التوتر والاحتقان السياسي سريعاً ودراماتيكياً، أنذر بتفجر الأوضاع الداخلية البحرينية من جديد، والعودة إلى المربع الأول بعد تزعزع الثقة أكثر فأكثر بين بعض من هم داخل السلطة وبعض من هم داخل المعارضة!
القضية الأولى التي أدت إلى ارتفاع حالة الاحتقان السياسي في الشارع البحريني، هي «التجنيس السياسي»، حيث لم تفلح جهود الجمعيات السياسية ومحاولاتها ومجموعة كبيرة من نواب البرلمان، بإقناع الحكومة بالتوقف عن التجنيس السياسي الذي بات هاجساً يؤرق البحرينيين كثيراً، وخصوصاً أن التجنيس السياسي ازداد سريعاً جداً بعد مرحلة الميثاق الوطني. وهو ما أدى إلى خروج تظاهرة شعبية حاشدة للمطالبة بوقف التجنيس السياسي الهادف بحسب اتهامات البعض، إلى تعديل التركيبة الديموغرافية في البحرين!
القضية الثانية التي مثّلت منعطفاً كبيراً وخطيراً، وأدت إلى ارتفاع منسوب الاحتقان السياسي في البحرين، هي قضية اعتقال مجموعة من الناشطين وتقديمهم للمحاكمة بتهمة زعزعة استقرار البلاد ونظام الحكم. وأبرز هؤلاء الناشطين، الأستاذ حسن مشيمع وعبد الجليل السنقيس ورجل الدين الشيخ محمد المقداد. المجلس العلمائي، الذي يعدّ أعلى مرجعية شيعية في البحرين، استنكر بشدة، اعتقال الناشطين الثلاثة، ورأى في بيان أصدره بهذا الشأن، أن «اعتقال الناشطين الثلاثة خطوة تصعيدية خطيرة في طريق مزيد من تأزيم الأوضاع، وإعلان سافر عن الرغبة في تكميم الأفواه»! أما جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، فقد رأت في بيانها، أن اعتقال الناشطين الثلاثة «خطوة تصعيدية ستساهم في تأزيم الوضع العام وزيادة حالة الاحتقان»، محذّرة في الوقت نفسه من أن هذه الخطوة وتداعياتها، «ستأخذان البحرين إلى نفق مظلم»!
خلاصة القول، تبدو الأوضاع السياسية الحالية في البحرين غير مستقرة، ومرشحة لأن تتحول من سيئ إلى أسوأ، وخصوصاً مع اقتراب تحويل الناشطين الثلاثة إلى المحكمة خلال الأيام القليلة المقبلة! وعليه، فإنّ المطلوب من الجميع، وتحديداً التيارات والقوى السياسية، توخّي الحيطة والحذر، وضبط النفس والاحتكام إلى العقل في التعاطي مع المقبل من الأيام.
أما المطلوب من الحكومة البحرينية، فهو سعة الصدر والتعامل بحكمة وهدوء وعقلانية مع الأحداث الأخيرة، والسعي الجاد في تطبيق الإصلاحات السياسية، وفتح حوارات مباشرة مع مختلف القوى والتيارات السياسية، ومد جسور الثقة إلى الشارع البحريني بعدما أصابه «شرخ» كبير خلال الأعوام الماضية.
كذلك المطلوب من السلطة السياسية في البحرين الاستجابة السريعة إلى المطالب المشروعة للشعب البحريني، والسعي إلى تدعيم الاستقرار السياسي الداخلي حتى يعود المشروع الإصلاحي المتمثل في «الميثاق الوطني» إلى نصابه الصحيح.
* كاتب كويتي