تواصل الجمعيّة اللبنانيّة لفلسفة القانون مساعيها لإدراج مادة فلسفة القانون في مناهج كليات الحقوق في لبنان. وقد نظّمت للغاية طاولة مستديرة في كليّة الحقوق ــ الفرع الرابع، تحت عنوان: «فلسفة القانون: طريق مرور إلزامي للمقاربة القانونيّة الصحيحة»
أنجلو البعيني
عرفت الفلسفة أُمّاً للعلوم جميعاً. وإذا جرت محاولات لهذه العلوم للخروج من بيتها الأوّل، منتهجةً لنفسها طرقاً مستقلة حتى تنطلق المعارف إلى أقصى غاياتها التجريبيّة في القرن الثامن عشر، فإن عصرنا اليوم هو عصر العودة إلى بانية الحكمة الأولى، الفلسفة، لتعود وتضيف إلى التجربة الجانحة حكمة أوسع وإنسانيّة ألطف.
وفي إطار إعادة الاعتبار للفلسفة في صوغ النص القانوني وتفسيره، بما يمكن تجسيده بصورة مثاليّة عبر اعتماد وإدراج مادة فلسفة القانون في مناهج كليّات الحقوق، حاضر الأستاذان في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية محمد وطفا وجورج سعد عن فلسفة القانون في ندوة أدارها المدير العام لوزارة الثقافة والأستاذ في الكلية الدكتور عمر حلبلب.
أكد المتحاورون أن فلسفة القانون تجيب على واقع عملي، ولا سيما أنّ لبنان شهد في السنوات الماضية العديد من أزمات الحكم والأزمات الدستوريّة. وشملت الخلافات والأزمات مختلف مؤسّسات الحكم، بما فيها المؤسّسات الديموقراطيّة التي فشلت بالتعاطي مع المفاهيم القانونيّة الأساسيّة المتعلّقة بالحريّة والمساواة. لذا، فالجمعيّة اللبنانية لفلسفة القانون ترى أنّ الخطوات الأولى على طريق المسيرة الطويلة لتحقيق الدولة الديموقراطيّة تبدأ بتمكين المؤسّسات القضائيّة في هذا النظام للقيام بعملها باستقلاليّة وكفاءة عالية. وأجمع المشاركون في الندوة على أنّ المناهج الدراسيّة المعتمدة في كليّة الحقوق والعلوم السياسيّة في الجامعة اللبنانيّة تتضمن التوليفة التقليديّة لمواد التدريس كالقانون الجزائي والقانون المدني، علماً بأن مواد عدة فائقة الأهميّة قد أدمجت حديثاً في مناهج الجامعة. من هنا، فإنّ دراسة القانون لا تزال تفتقد للمقاربة الفلسفيّة للقانون والبعد الفلسفي الضروري لتحقيق فهم دقيق للنصوص القانونيّة. وتساءل وطفا عن دور القاضي، بعيداً عن صخب الشارع السياسي، وزوايا الفلسفة الصامتة، عارضاً لتاريخ الإشكاليّة المعرفيّة لفلسفة القانون المتجاذبة بين العلم والفلسفة. وتوافق المنتدون على أن طموحهم اليوم هو أن تفيد الأجيال اللبنانيّة اللاحقة من طلاب الحقوق والعلوم السياسيّة من هذه المادة، ما ينعكس على فهم موضوعي أكثر للنصوص القانونيّة في المستقبل.
سبق طاولة الحوار هذه أخرى في كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة ـــــ الفرع الرابع في الجامعة اللبنانيّة، تحت عنوان: «فلسفة القانون: النصوص القانونيّة بين الفقه والاجتماع». فتحدث مدير الكليّة، الدكتور نديم مراد عن الجانب الإنساني الذي يجب أن يرعاه القانون، فقال: «القانون ليس موضوعاً لقهر الفرد، بل لإعطائه هذه الحقوق واحترام إنسانيّته، وخصوصاً إذا أدركنا أن المفاهيم عموماً ومفهوم العدالة خصوصاً هي مفاهيم نسبيّة». أما الأستاذ في معهد العلوم الاجتماعية علي سالم فتناول الجريمة في الدولة الرأسماليّة الحديثة، «من الدولة الاجتماعيّة إلى الدولة الجزائيّة البوليسيّة». وحاضر أستاذ الفلسفة في كليّة الآداب الدكتور عفيف عثمان عن فلسفة القانون في الفقه الإسلامي بين النّصّ القرآني وتبدّلات الواقع وقال: «من يتأمّل الأسس النظريّة لعلم الكلام يدرك الخيط الرفيع الذي كان ولا يزال يربط الفقه بالمستجد الاجتماعي. وإذ ظهرت فكرة مقاصد الشريعة عند الإمام غرناطة الشاطبي في القرن الثامن للهجرة، فإن التفكير فيها جرى في فترة مبكرة نسبيّاً».


طاولات حوارية في فروع «اللبنانية»

يشرح الأستاذ في كليّة الحقوق والعلوم السياسيّة والإداريّة ـــــ الفرع الرابع في الجامعة اللبنانيّة ورئيس الجمعية اللبنانية لفلسفة القانون الدكتور جورج سعد أن مادة فلسفة القانون والنقاشات المرتبطة بها أصبحت جزءاً أساسيّاً من دراسة القانون في أهم كليّات الحقوق في الولايات المتحدة الأميركيّة وأوروبا (بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، وبلدان أخرى). أما لبنان فبقي، كما يقول، خارج هذا التطور حيث لا تشتمل مناهج كليّات الحقوق على هذه المادة. لذا، يوضح سعد أن الطاولات الحواريّة التي تنظّمها الجمعيّة ستستمر خلال شهر آذار المقبل في فروع الجامعة اللبنانيّة كلها، ولا سيما في الفرعين الأول والثاني، إضافة إلى تنظيم ندوة في جامعة بيروت العربيّة.