لم تقتصر العواصف أمس على أحوال الطقس فقط، بل انسحبت على الأرض، بسبب القليل من الضوضاء الأمنية المتنقّلة بين المناطق: قنبلة يدوية فجراً على مركز «القوات اللبنانية» في منطقة الكفور، قنبلتان أخريان في منزل كتائبي سابق، وإشكال أمني طويل داخل أزقة بيروت
أحمد محسن
توالت الأحداث الخارجة عن السياق الأمني الطبيعي، ليل أمس. ولم تتضح الصورة إلا بعد عودة الهدوء إلى أحياء العاصمة والمناطق، بعد تدخّل القوى الأمنية. وكانت ضواحي العاصمة قد شهدت عدداً من الخلافات المشابهة قبل أيام قليلة، عقب إحياء ذكرى الرابع عشر من شباط، والتي أنهتها محاولات التهدئة. لكنّ تلك المحاولات لم تصمد كثيراً. عادت القنابل المتنقّلة إلى الظهور، فيما نزل الشبان ليتعاركوا في شوارع بيروت من جديد.

الشائعات تطوّر حادثاً فردياً

اشتعلت شوارع خندق الغميق فجأة، أول من أمس. بدأ العراك في الثامنة مساءً بين بضعة شبان من المنطقة، في شارع الزهراوي القريب من جادة بشارة الخوري، والمواجه لزقاق ضيّق، يعرف بـ «زاروب الأكراد». وقعت عملية التضارب بادئ الأمر (على خلفية مادية) بين شابين هما (ش.ق، وأ.ق.) يقطنان في الشارع المذكور من جهة، وشاب آخر هو (ح.ك.) يسكن في حي الأكراد. تجمهر الشبان ليناصروا طرفي النزاع، وسرت شائعات في أحياء بيروت أن الخلاف هو بين «حركة امل» ومواطنين أكراد يناصرون «تيار المستقبل»، فتدفّق الشبان من البسطة والمناطق القريبة لمناصرة الطرف الأول، فيما احتشد 200 شخص في زقاق الأكراد على بوابة الشارع. وقع عراك بالأيدي والعصي، نتج منه تكسير بضع سيارت متوقّفة في الطريق، وحرق دراجتين ناريتين، تعود إحداهما للطرف الثاني في النزاع.
استلزم تفاقم الوضع تدخّلاً من الجيش اللبناني. وفي هذا الإطار، قال أحد الشهود العيان لـ«الأخبار» إن عديد الجيش لم يكن كافياً، «إذ حضر نحو 15 عسكرياً فقط في البداية». كان الوضع يتطلّب عدداً أكبر من ذلك لتدارك العراك، برأي الشاهد. وبالفعل، حضرت قوة كبيرة من فوج التدخّل في الجيش بعد دقائق. ويقول شاهد آخر يقطن في الشارع إن الجيش قوبل بالزجاجات الفارغة والحجارة من الطرفين، لكنّه تمكّن من إنهاء العراك وإخلاء الطرقات في ساعات الفجر الأولى. ظنّ أهل المنطقة أن الوضع قد سوّي، «رغم أنه كان لا يزال متوتراً»، على ذمة شاهد آخر، الذي وصف تضخيم الحادث بالأمر الغريب، لكون الفريقين جيراناً منذ زمن قديم.
في الثالثة والنصف فجراً (كما ورد في تقارير أمنية) خُرق الهدوء المرحلي حين أحرق شبان مجهولون محلاً للألبسة في مكان الحادثة، يعود للمواطن (س.ع.)، ولم يكتفوا بذلك، بل أشعلوا سيارة تبعد نحو 50 متراً عن بناية الخطيب، فأتى الحريق عليها، ولاذ الفاعلون بالاختباء. ولم ينته التوتّر حتى عصر أمس، رغم تعزيز الجيش وجوده، وإقامته حواجز ثابتة للتدقيق في هويات الآتين إلى الشارع. وبعد انتهاء الحادثة، نفى معظم السكان الذين التقتهم «الأخبار» أيّ خلفية سياسية للموضوع. «المتعاركون إخوة وقد تصالحوا»، أكد أحد السكان بثقة، كما تحدّث أهل المنطقة عن مساعٍ حثيثة قامت بها جهة حزبية لتسوية الخلاف، وتعهّدت بالتعويض على صاحب المحل المحترق. في النهاية، نجت المنطقة بأسرها من حريق أمني، أشعله خلاف مادي بين شابين، وأجّجته الشائعات الدسمة.

عودة القنابل

شهدت الآونة الأخيرة ارتفاعاً في عدد القنابل العشوائية، التي تلحقها البيانات المستنكرة غالباً. فقد أُلقيت إحدى هذه القنابل في الواحدة من فجر أمس على مكتب حزبي تابع للقوات اللبنانية، في منطقة الكفور ـــــ قضاء كسروان، مما سبّب أضراراً فيه، فيما حضرت القوى الأمنية وباشرت تحقيقاتها. «القوات اللبنانية» أصدرت بياناً ذكرت فيه أن أحد مكاتبها في سن الفيل كان قد تعرّض لقنبلة مماثلة، فجر الأحد الماضي، وناشدت القوى الأمنية التدخّل. وفي مكان بعيد نسبياً، عُثر صباح أمس على قنبلتين معدّتين للتفجير (كما أكد خبراء أمنيين لوكالات الأنباء) داخل حديقة الكتائبي السابق ميلاد مسعود، وعلى مقربة من أحد بيوت الكتائب في منطقة ضبيه. لم تنفجر القنبلتان كما حدث في الكفور، وسلم الوضع من الانفجار هو الآخر. عاد الهدوء بالتزامن مع مرور ساعات الظهيرة، بعد الاتصالات التي أجراها وزير الداخلية المحامي زياد بارود بمسؤولي القوات مطمئناً إلى سير التحقيقات.
وفي سياق مواز، لكن على مسافة بعيدة، أصدرت عائلة شمص بياناً بشأن إلقاء قنبلة يدوية على مقهى في منطقة الجناح يملكه أحد أبنائها، ليل الاثنين الماضي. وأعلنت العائلة في البيان أنها تؤمن بالدولة ومؤسساتها، وخاصة الجيش اللبناني، مطالبة بإلقاء القبض على الفاعلين. وفي ختام بيانها، أكدت العائلة وجوب معاقبة قتلة الشهيد عدنان شمص، مذكرةً بأن «بال العائلة لن يهدأ في حال عدم تحقّق العدالة».


قنابل انتخابية؟

أكّد مسؤول أمني رفيع لـ«الأخبار» أن الأجهزة الأمنية لم تتمكن بعد من تحديد ما يمكّنها من كشف هوية من يرمون القنابل اليدوية. ورجّح المسؤول ذاته أن تكون هذه الحوادث مرتبطة ببدء الإعداد للانتخابات النيابية، مع العلم أن قنابل ألقيت خلال الأيام الماضية في بيروت والضاحية وجبل لبنان.